في العائلة الملكية البريطانية، التي تبدو أنَّ الفضائح تطال أعضاءها في ترتيب شبه متناغم، ربما يتوقع المرء أنَّ أخبار يوم الثلثاء 15 شباط، التي تفيد بأنَّ الأمير أندرو قد حسم قضية اعتداء جنسي ضده سيتبعها قريباً كشف جديد ومثير للقلق عن أحد أفراد العائلة الملكية، كما تذكر صحيفة The New York Times الأميركية.
وهذا بالتأكيد ما حدث؛ فلم تمر 24 ساعة حتى أعلنت شرطة العاصمة في لندن عن تحقيق في مزاعم بأنَّ مؤسسة خيرية بقيادة الأمير تشارلز عرضت المساعدة في الحصول على لقب فارس ومنح الجنسية البريطانية لملياردير سعودي مقابل تبرع لجمعية الأمير تشارلز الخيرية. لكن متحدثاً باسم تشارلز أصر أنَّ الأمير ليس لديه علم بوجود مثل هذه الصفقة.
بالنسبة للملكة إليزابيث الثانية، كانت بداية مشحونة لعام من المفترض أنه يمثل احتفالاً لمرور 7 عقود على جلوسها على العرش. ومع ذلك، بالنسبة لجميع الأسئلة المحيطة بجمعية الأمير تشارلز الخيرية -التي أدت بالفعل إلى استقالة رئيسها التنفيذي مايكل فوسيت- فمن المرجح أن يترك سقوط الأمير أندرو وصمة عار دائمة على عائلة وندسور.
أما الابن الثاني للملكة، الأمير أندرو، فبالرغم من أنه لم يعترف بالذنب في الفضيحة الجنسية التي طالته، فقد أُجبِر على الإشادة بفيرجينيا جوفري، التي اتهمته باغتصابها عندما كانت في سن المراهقة، لشجاعتها في التقدم والإعلان عمّا حدث لها. ووافق على أن يدفع لها مبلغ تسوية، الذي قالت الصحف اللندنية إنه يزيد عن 13 مليون دولار.
ويقول إد أوينز، المؤرخ الذي كتب عن العلاقة بين وسائل الإعلام والنظام الملكي لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن “هذا وضع غير مألوف تماماً. لم تُرفَع هذا النوع من القضايا ضد أي فرد من العائلة الملكية من قبل؛ لهذا السبب نشهد الأسرة تواجه الكثير من المشكلات في تجاوز هذا الوضع“.
وبرغم كل ذلك، تثير مشاكل أندرو وتشارلز أسئلة غامضة حول المال وكيف يتحرك في عالم العائلة الملكية الغامض. ولا يزال السؤال حول من سيدفع مبلغ تسوية أندرو دون إجابة: يقول المحللون الذين يتتبعون ثروة العائلة إنه من غير المرجح أن يستطيع دفعها دون مساعدة من الملكة أو من آخرين.
في حالة تشارلز، السؤال هو ما إذا كان أقرب مستشاريه، مايكل فوسيت، قد عرض على الملياردير السعودي، محفوظ بن محفوظ، المساعدة في طلبه للحصول على الجنسية البريطانية، وكذلك الحصول على لقب فارس، مقابل تقديم تبرع بقيمة 10 ملايين جنيه إسترليني (13.5 مليون دولار). ونفى محفوظ ارتكاب أية مخالفة.
قال أوينز: “يسلط هذا الضوء على السرية والصمت السائد بشأن الشؤون المالية الملكية. وحقيقة وجود هذا الافتقار إلى الشفافية ستزداد صعوبة في عالم تقوده الشبكات الاجتماعية. فالناس أكثر حساسية تجاه الغموض“.
من جانبها، ذكرت الشرطة البريطانية، يوم الأربعاء 16 شباط، أنَّ لديها أدلة كافية لفتح تحقيق رسمي بشأن ما إذا كانت المؤسسة قد انتهكت قانون عام 1925 الذي يحظر بيع النبلاء أو غيرهم التكريمات الملكية. وتلجأ الشرطة لنفس الوحدة التي تحقق فيما إذا كانت التجمعات الاجتماعية في مقر الحكومة (داونينج ستريت) قد انتهكت قيود إغلاق فيروس كورونا المستجد.
وقال خبراء ملكيون إنه إذا كشفت شرطة سكوتلاند يارد عن دليل يثبت علم تشارلز بوجود مقايضة محتملة، فإنَّ ذلك سيشكل خطراً كبيراً على وريث العرش البالغ من العمر 73 عاماً. وحتى إذا لم يكن تشارلز متورطاً، يمكن أن يلقي هذا ضوء قوياً على الأساليب العدوانية لمساعدي الأمير.
وبالنسبة للملكة البالغة من العمر 95 عاماً، فإنَّ التهديد الذي تطرحه مشكلة تشارلز، من بعض النواحي، يمثل صداعاً أكبر من وصمة العار المرتبطة بفضيحة أندرو الجنسية. ومع مشكلاتها الصحية الأخيرة، واحتفالاتها باليوبيل البلاتيني، كانت الملكة تتحرك لترتيب شؤون الأسرة. وقد أعلنت مؤخراً، على سبيل المثال، أنه عندما يصعد تشارلز إلى العرش، يجب أن تُعرَف زوجته كاميلا بأنها الملكة.
لكن هذا الأسبوع كان بمثابة تذكير لهشاشتها. عندما سألها زائران لقلعة وندسور، يوم الأربعاء 16 شباط، عن حالتها، أشارت الملكة، وهي تبتسم وتمسك بعصا، إلى ساقيها، وقالت: “حسناً، كما ترى، لا يمكنني التحرك“.
وفي هذا الصدد، قال بيتر هانت، مراسل ملكي سابق لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: “الوقت ينفد، بينما يحاولون جاهدين تمهيد الطريق أمام تشارلز. والآن، يظهر على هذا الطريق فجأة مايكل فوسيت“.
ومع ذلك، فإنَّ فضائح تلقي أموال مقابل امتيازات شرفية هي عنصر مألوف، وإن كان غير لائق، في السياسة البريطانية. وقد تورط فيها بالفعل كل من حزب المحافظين وحزب العمل. وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ المزاعم ضد أندرو ذات طبيعة مختلفة تماماً، وقد ساهمت في توسيعها حركة #MeToo، وزادتها قتامة علاقة الأمير بالممول والمُدان بارتكاب جرائم جنسية، جيفري إبستين.
يبدو أنَّ حقيقة تسوية أندرو للقضية قد زادت من الشعور بالازدراء العام، على الرغم من أنَّ التسويات خارج المحكمة شائعة في بريطانيا كما هي في الولايات المتحدة. ولخصت عناوين الصحف في لندن الاشمئزاز السائد.
كتبت صحيفة The Sun “عاره الأخير”. وقالت صحيفة The Daily Express: “أندرو يبرم صفقة بشأن الدعوى الجنسية … لكن لا مجال للعودة“.
ونفى قصر باكنغهام أندرو إلى المنفى الداخلي، وجرّده من ألقابه العسكرية الفخرية ومن واجباته الرسمية ، وحذر أنه لن تكون هناك محاولات إعادة تأهيل. لكن لم يتضح ما إذا كانت الملكة، التي تكسب أكثر من 30 مليون دولار سنوياً من ممتلكات عقارية خاصة ضخمة، ستساعده في سداد مبلغ التسوية.