IMLebanon

الحكومة والموازنة: “عين الحسود تبلى بالعمى”

كتب مجيد مطر في “نداء الوطن”:

نحن والحكومة نعرف بعضنا جيداً، وكما يُقال باللبناني: «دافنينوا سوا». أهلية بمحلية، وكلّاس لا يغبر على طحّان.

إنه الانطباع الأول الذي تكوّن بعد أن نطق رئيس الحكومة بتبريراته حيال شكل ومحتوى الموازنة التي أظهرت «نهجاً ماركينتيليا» بالمعنى الآخر للكلمة، أي تريد الحكومة تحقيق الربح على حساب الشعب من دون اي اعتبارات أخرى.

وإذا عدنا الى ما صدر ذات صباح عن مصرف لبنان بأن اللبنانيين يكدسون الأموال في بيوتهم، «تحت البلاطة»، فهذه وصية الأجداد الذين طلبوا من الأبناء ذلك، وهؤلاء كرروا الوصية أمام الأحفاد: «خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود».

وما قاله رئيس الحكومة طالباً من اللبنانيين ان نساعد بعضنا، وان يا لبنانيي كفوا عن التذمر، يؤكد ان الحكومة متكلة على تلك الأموال وتعمل المستحيل للوصول اليها.

نعم، الحكومة تعرف ما تحت البلاطة، وهذه الموازنة، اخذت في الاعتبار ذلك، وآن الأوان «لقبع» البلاطة وإخراج ما تحتها.

وليس من باب التجنّي، أن المسؤولين يتصرفون على أساس أن الشعب، يملك الأموال، وأن كل عائلتين من اصل ثلاث، لديهما احد افرادهما في الخارج، يرسل الأموال، وهذا ما يخفف عن كاهل الحكومة، فتلك التحويلات، تقدّم ايجابيتين، الأولى دخول عملات اجنبية، الدولة في أمس الحاجة اليها، والايجابية الثانية، مدّ يد العون للاقارب ببعض التحويلات التي تسد الرمق ولو بالقليل، وتكفي الناس شر العوز، وعليه فقد اعتبر الرئيس ميقاتي ان الشعب قادر ان يتحمل مع الحكومة، متناسياً ان الكثيرين أيضا لا أقارب لهم في الخارج ليرسلوا الاموال.

الموازنة التي اقرت وخلقت بلبلة بطريقة إقرارها، في مجلس الوزارء، كذلك بتفاصيلها، او بخطوطها العريضة، تؤكد ما نحن بصدده، تحميل الشعب الخسارة الكبرى، والعين على ما تبقى من أموال، قد حفظت بالأساس لمثل هكذا أيام شديدة السواد والاوجاع. أخطأت الحكومة بتفكيرها وتقديرها، عندما طلبت من الشعب ان يتحمل، وان عليه ان يقبل ذلك، فهذا المطلب يدل على ان لا نية لتعزيز الاقتصاد ومساعدة الصناعات الوطنية، وان هناك خلطاً بين موقع الحكومة (السلطة) وموقع الشعب، الذي يحق له لا بل من واجبه ان يرفض كل موازنة لا تلبي له الحد الأدنى من حقوقه، وليس لأحد ان يطالبه بالتحمل اكثر مما يحتمل، خصوصا وان زيادة الضرائب لا احد يتحمل معه اعباءها واثقالها، وكل تأخير من قبله ترتب عليه غرامات، هذا في السياق الطبيعي.

وكان الاجدى بالحكومة ورئيسها، ان يقدما ادلة على ان السلطة قد شعرت باوضاع الشعب المزرية، من خلال تقديمها التزاماً واضحاً، بمحاربة الفساد والهدر، وضبط التهريب، براً، بحراً، وجواً، ومراقبة الحدود ، وقمع الزيادة المتوحشة بالأسعار، دون حسيب او رقيب، كما إعادة خلق نظام ضريبي عادل يأخذ بالاعتبار احجام الدخل والثروات. كما أن على الحكومة من الناحية السياسية ان تجيب على المخاوف المحقة للناس، على وظائف أولادهم في الخارج، وتحديداً في دول الخليج، حيث عجزت الحكومة عن إعطاء الرد الشافي والوافي على مطالب العرب المحقة، في ان لا يتحول لبنان الى منصة عداء وشماتة بهم وبمصالحهم، وان يكون لبنان حريصاً على الامن القومي العربي، حيث المصالح المشتركة المصير والمشترك ما يستدعي موقفاً واضحاً وبيّناً، لا هروباً وتملصاً من المسؤولية، تحت حجج وأسباب واهية.

كل تلك السياسات تشير الى اننا لسنا دولة ولو بالحد الادني، واننا نحكم بأداء اقرب الى المبادرات الفردية، اكثر منه برنامج عمل، نحاسب على أساسه.

فطالما التناقضات كلها مجتمعة في مكان واحد الا وهو مجلس الوزراء، لن يكون هناك أي مسؤولية سياسية على احد في هذا الخراب الذي يلفنا.

كلمة أخيرة، اليس لافتاً اننا ندفع من اموالنا لجيوش من المستشارين، ونحن نعود القهقرى، وحالنا لا تسر لا عدواً ولا حبيباً.

نعم، الشعب يملك الكثير الكثير، فـ»صيت غنى ولا صيت فقر. وعين الحسود تبلى بالعمى».