كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
أن يصير “الحاكم” فاراً من وجه العدالة، في هذه اللحظة بالذات، فلا بدّ من وجود خلفيات سياسية أملت تحديد ساعة الصفر، بتوقيت عوني بامتياز، حتى لو غسلت الرئاسة الأولى يديها من أيّ جرعة دعم قد تكون قدّمتها للقاضية غادة عون.
إذ سيكون من الصّعب جداً، إقناع الرأي العام أنّ الفريق العوني بريء من تهمة الدفع باتجاه تكبيل يدي سلامة، لدفعه إلى الاستقالة طوعاً أو البحث عن مخرج آمن يُفرغ الحاكمية من «سيدها العتيق» ويفتح الباب رسمياً أمام البحث عن سلف له، خصوصاً أنّ العونيين هم الأكثر حماسة لتطييره، وفق أكثر من دليل قاطع يثبت أنّ العهد مستعجل لخروج سلامة من مصرف لبنان، بعدما اتّخذ الكباش بين الطرفَيْن شكلاً علنياً بلا قفازاتٍ. والمعادلة التي فرضت نفسها دوماً لإبقاءِ «الحاكم» على كرسيّهِ باعتبارهِ «وصفة» للاستقرار صارت لدى العونيين خلال السنتين المنصرمتين معكوسة تماماً: بدأ العدّ العكسي لرحيل «الحاكمِ» لتأمين عودة الاستقرار المالي كما النقدي!!
والأكيد أيضاً، أنّ القوى السياسية جميعها تتعامل مع رياض سلامة على أنّه مستمر في وظيفته رغم الضغوط التي تمارس محلياً وخارجياً، لانعدام التوافق على البديل أو لعدم القدرة على الاتفاق على اسم جديد يدخل الحاكمية من بابها العريض، بعدما جلس سلامة على كرسيّها لأكثر من 28 عاماً، وهو الذي تنتهي ولايته في أيار 2023، أي بعد نحو 14 شهراً، بعدما تمّ التجديد له في أيار 2017، على مسافة أشهر قليلة من وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. يومها لم يستغرق التجديد له سوى دقائق قليلة بحكم التوافق الاختياري، ولو أنّه قُدّم على أنه «إجباري».
فأن يكون بند تسمية حاكم جديد لمصرف لبنان على جدول أعمال حكومة نجيب ميقاتي، فهذا يعني أنّه سيكون لرئيس الجمهورية الكلمة الفصل في هذا التعيين تبعاً للعرف المعتمد في هذا السياق، والذي يتيح للرئاسة الأولى تزكية الاسم المقترح لهذا المنصب. وهو سيناريو يتجنّبه معظم القوى السياسية، سواء تلك الجالسة على طاولة الحكومة أو تلك الموجودة في المعارضة. فضلاً عن كون هذا التعيين في لحظة الانهيار المالي، بات موضع نقاش دولي، ولن يقتصر على رغبات القوى المحلية.
وفق المتابعين لهذا الملف، فإنّ الفريق العوني لن يهدأ قبل أن يرفع سلامة الراية البيضاء مستسلماً، ومخطئ من يعتقد أنّ رئيس الجمهورية قد يفتح باب المساومة على بقائه للأشهر القليلة المقبلة، حتى لو تحت عنوان البحث عن بديل. ثمة من يقول إنّ هذا الفريق يخوض معركة الإطاحة بحاكم مصرف لبنان على قاعدة «عليي وعلى أعدائي»، لاعتبارات عديدة.
قبل أسابيع معدودة على فتح صناديق الاقتراع، يبحث الفريق العوني عن إنجاز كبير بمقدوره التسويق له لدى الرأي العام المسيحي، على قاعدة أنّ العهد هو أكثر من تصدّى لمعركة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وهو أكثر من تصدّى لمعركة محاسبة حاكم مصرف لبنان لكونه المسؤول عن ضياع حقوق المودعين. وهي حملة قد تؤدي بنظر هذا الفريق إلى تحسين الوضع الشعبي لـ»التيار الوطني الحر».
كما أنّ إخراج سلامة من مصرف لبنان يعني قطع رأس المنظومة التي يتّهمها العهد بتركيب «طرابيش الفساد»، والمقصود بها بشكل خاص «تيار المستقبل» وحركة «أمل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، حيث يعتقد العونيون أنّ فصل هذه السيبة عن بعضها البعض، سيضعف الفريق برمّته لفقدانه العصب المالي، وقد ارتفعت الفرص مع تنحي سعد الحريري وارتباك فريقه.