كل المؤشرات في لبنان تدل على أن الأسابيع المقبلة ستحمل عنواناً وحيداً هو التوتّر، لا بل ربما “التوتّر العالي”.
رغم أن المعلومات الواردة من فيينا تشي بارتفاع منسوب التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة على العودة إلى الاتفاق النووي، إنما الأيام والأسابيع الفاصلة عن هذه العودة إن صحّت المعلومات ستكون حافلة بالتصعيد والضغوط المتبادلة في محاولة لتحسين شروط اللحظات الأخيرة، وهذا ما سينعكس حتماً على الساحة اللبنانية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نهاية آذار المقبل هي المهلة القصوى لخروج الدخان الأبيض وإلا سيتم إعلان الفشل ما يفتح الباب على كل الاحتمالات. وبالتالي فإن المرحلة حتى نهاية آذار المقبل قد تكون حافلة بالتوترات.
ولكن ما يجري في فيينا لن يكون العامل المؤثر والضاغط الوحيد على الساحة اللبنانية التي تعاني الأمرّين نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي والمواجهة بين إيران و”حزب الله” من جهة والدول الخليجية من جهة أخرى، والتي وصل فيها التحدي حدّ تنظيم “حزب الله” احتفالاً للحوثيين في البقاع في تحدٍّ سافر لوزير الداخلية ورئيس الحكومة اللذين يسعيان إلى ترطيب الأجواء مع دول الخليج العربي. كما أن ملف الانتخابات النيابية بحد ذاته سيشكل محور كل التوتّرات الداخلية في ظل كل المحاولات لإلغائها أو تأجيلها حتى إشعار آخر، بدءًا من محاولة الطعن أمام المجلس الدستوري، مروراً بالسعي العوني لتقديم اقتراح قانون معجّل مكرر للعودة إلى المقاعد الستة للمغتربين بما يؤدي حكماً إلى تأجيل الانتخابات أو أقله إلغاء حق المغتربين في الاقتراع في الخارج تحت ذريعة نقص التمويل، وليس انتهاء بالطلب المتأخر جدا لرئيس الجمهورية لإنشاء الميغاسنترز في الجلسة الأخيرة للحكومة، رغم أن النائب شامل روكز كان تقدّم باقتراح قانون بشأن الميغاسنترز قبل أشهر ولم يتبنّه أحد من نواب “التيار”.
يبقى أن السيناريو الاحتياطي الأنسب والجاهز للتطبيق في اللحظات المناسبة هو سيناريو تأجيج الأوضاع الداخلية على الأرض بما يؤدي إلى احتكاكات وربما اشتباكات تمهّد لإعلان استحالة إجراء الانتخابات. وفي هذا الإطار يُدرج البعض الهجمات المستعرة الأخيرة على حاكم مصرف لبنان في هذا السياق إضافة إلى ما توسّع منها عبر افتعال العهد مواجهة مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي بعد ادعاء القاضية غادة عون عليه خلافاً للقوانين والأصول بما أشعل جبهة ظاهرها مسيحي- سني في حين أن حقيقتها عوني- سني، وخصوصاً بعد رفض “القوات اللبنانية” واقعة ادعاء العهد عبر غادة عون على اللواء عماد عثمان.
في اختصار، يمكن التأكيد أن عنوان الأسابيع المقبلة سيكون “التوتر” مع ازدياد حاجة أكثر من طرف لإشعال الداخل لتطيير الانتخابات، أو أيضاً لإشغال الداخل لتمرير الصفقات الكبرى مثل تراجع رئيس الجمهورية عن الخط 29 في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية جنوباً وسط صمت تام رسمي من “حزب الله”، ومثل رفع سقف التحدي الكلامي من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن تصنيع مسيرات وصواريخ والاستعداد لبيعها بالتزامن مع تكثيف إرسال المسيرات العابرة للحدود الجنوبية.
ربما الأفضل للبنانيين في المرحلة المقبلة أن يشدّوا الأحزمة في أسابيع قد تكون ملتهبة في خضم التوترات الإقليمية والداخلية.