كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
منذ العام 2011 ولغاية اليوم، اربع خطط للكهرباء بينما لا تزيد ساعات التغذية بالتيار على ساعتين يومياً. وآخرها الخطة التي اعدتها وزارة الطاقة والمياه والتي تبين للمعنيين انها تكرار للخطط التي سبقت مع تغيير طفيف بالأرقام. تقدم الخطة الحالية والتي أعدت باللغة الانكليزية وحصلت «نداء الوطن» على نسخة منها، رؤية طويلة المدى لقطاع طاقة الكهرباء وتطرح مبادرات لإصلاحه، بهدف التغلب على الواقع الراهن بما يضمن التوازن في الميزانية المالية للقطاع وتوفير كهرباء مستدامة للمواطنين اللبنانيين. إلا أن الخطة هذه لا تخلو من مشاكل يمكن اختصارها في غياب قوانين يفترض إقرارها (لإقامة معامل طاقة كهرومائية مثلاً)، وتأجيل تشكيل الهيئة الناظمة، وطرح أرقام غير قابلة للتحقق في موضوع الطاقة المتجددة ومنح صلاحيات إضافية لمقدّمي الخدمات، وغيرها من الملاحظات التي سنستعرضها بالتفصيل.
ماذا في الخطة؟
تستند الخطة بشكل كبير إلى تقرير البنك الدولي الصادر عام 2011، وتستفيد من الخطط التي سبق ووضعت لغاية تحسين قطاع الكهرباء، على ان يتم تنفيذها في خلال خمس سنوات لتوفير خدمة الكهرباء بصورة مستمرة وبكلفة معقولة وتشجيع مشاركة القطاع الخاص. تهدف الخطة إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية أهمها تأمين الكهرباء بكلفة ميسّرة للبنانيين في كافة المناطق اللبنانية وبمعدل 24 ساعة وبطريقة تكون صديقة للبيئة على ان توزّع نسب التغذية على الشكل التالي:
– قصير المدى (أقلّ من سنة)، يؤمن تغذية بمعدل 8 إلى 10 ساعات من الكهرباء من خلال اتفاق الكهرباء والغاز الإقليمي مع الأردن ومصر والعراق، بدعم من قرض (قروض) من البنك الدولي، ومؤسسات التمويل الدولية الأخرى.
– متوسط المدى (1-2 سنة): تغذية من 16الى 18 ساعة من الكهرباء من خلال البنى التحتية القائمة والموقتة (الزهراني ، وحدات التوليد بالغاز في دير عمار، مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح).
– المدى الطويل: (3 سنوات): توفير 24 ساعة من الكهرباء من خلال استخدام معمل الغاز المستدام والمبني حديثًا، ومحطات توليد الطاقة ذات الدورة المتجدّدة وتوسيع نطاق الطاقة المتجددة لتلبية هدف حصة الطاقة بنسبة 30 % بحلول العام 2030.
وفي توصيف الوضع الراهن لقطاع الكهرباء تتحدث الخطة عن انعكاس سوء الوضع المالي وتدني التعرفة التي لم تتغير منذ العام 1992 وتراجع الجباية ونقص امدادات الوقود وتراجع التغذية بما لا يزيد عن 3 الى 4 ساعات يومياً. وتحذر من أن القطاع على وشك الانهيار في ظل سوء وضعه الحالي وكلفة التشغيل مقابل تراجع الايرادات في ظل غياب المحاسبة والتدقيق، كما تعرض الخطة للشروط الواجب تطبيقها لضمان حسن تطبيقها.
جيدة… ولكن
مطلّعون على الخطة، المقدّمة في 33 صفحة بالإضافة إلى ملحق بالجداول مؤلف من 26 صفحة، لفتوا إلى أنها تطرح خطوطاً عريضة مهمة لناحية اعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان والشراكة مع القطاع الخاص وتشكيل الهيئة الناظمة ERA وشرح مهامها، لكنهم لفتوا إلى أن الخطة تؤجل تشكيل هذه الهيئة وتفعيلها الى نهاية العام 2023 ما يطرح علامات استفهام حول أسباب هذا التأجيل علماً بأن أهم مهام الهيئة وضع الخطط وتحديد التعرفات ومراقبة كافة جوانب هذا القطاع ومنها شراكة القطاع الخاص وتأمين الشفافية والحوكمة.
وفيما أكدّ الخبراء أن «الخطر الكبير على استدامة قطاع الطاقة الكهربائية يتمثّل في نسبة الهدر الخيالية التي بلغت 40% من الانتاج، منها الهدر الفني المرتفع جداً بنسبة تقترب من 13% والذي يجب ان يكون أدنى من 7% وفقا للمعايير العالمية، والهدر غير الفني الناجم عن التعديات والذي بلغ 27%»، لفتوا إلى أن الخطة لحظت هذا الأمر «لاستعادة الثقة ولتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في الاستثمار في هذا القطاع».
تلحظ الخطة حلاً موقتاً يتمثل بتشغيل معمل موقت onshore في دير عمار DeirAmar III يعمل على الغاز المصري بقدرة 520 ميغاوات ويتم تشغيله فقط خلال عامي 2023 و2024. وهنا يطرح السؤال عن البديل «هل سيكون في البواخر مجدداً، خصوصاً أن الخطة لا تتضمن اي تفاصيل عن هذا المشروع».
ولفت الخبراء إلى أن الخطة تطرح أرقاماً مرتفعة بالنسبة للطاقات المتجددة، غير واقعية وغير قابلة للتحقيق ما بين عامي 2022 و2026، مع العلم بأن هذه الارقام «تم طرحها في الخطط السابقة ولم يتحقق منها أكثر من 5% على مدى عشرة أعوام».
فهذه الخطة تطرح ما يلي في الجدول أدناه:
كما أن الخطة تطرح أرقاماً متفائلة وفي مدى زمني قصير للغاية، علما بان هذه الطاقات يتطلب تنفيذها وتمويلها من القطاع الخاص، ولغاية اليوم لا يوجد الإطار القانوني اللازم لها، لحاجتها الى وضع دفاتر شروط ومناقصات شفافة ووضع تعرفة عادلة لمنتجي هذه الطاقات وإجبار أصحاب الامتيازات قانوناً على تأهيل معاملهم بإشراف الهيئة الناظمة للقطاع تحت طائلة فسخ عقود الامتياز في حال التخلّف.
وتلحظ الخطة 125 ميغاوطاً جديدة من طاقة كهرومائية من دون أن تذكر مواقعها، علماً بأن إقامة هذه المعامل يتطلب قانوناً خاصاً غير موجود حالياً يسمح للقطاع الخاص باستثمار الموارد المائية في هذه المواقع والتي هي ملك للدولة اللبنانية (انهار، ينابيع)، كما يتطلب تحديد تعرفة عادلة للطاقة الكهرومائية لتشجيع المستثمرين.
ويأتي في تفاصيل خطة الكهرباء ايضا بناء 3 معامل حرارية جديدة (في الزهراني وسلعاتا ودير عمار) كل منها بقدرة 825 ميغاواطاً، وانشاء 3 محطات تغويز FSRU مع ما يرتب على ذلك من كلفة عالية.
وبينما تقترح الخطة تعرفة عادلة نسبياً للمنازل، وتؤمن استدامة الموارد المالية للقطاع، إلا أنها لا تراعي قدرة المشتركين على الدفع ولا تربطها ابداً بزيادة ساعات التغذية، اما التعرفات الصناعية والزراعية فهي مرتفعة نسبياً، كما يجب ان تترافق زيادة التعرفة مع الزامية رفع التعديات عن الشبكة العامة وفي حال لم يتم ذلك فإن عجز هذا القطاع سيستمر وأن القطاع الخاص لن يشارك في هذه المخاطر وستكون كافة الخسائر على الخزينة العامة كما هي الحال الحاضرة. مثلاً حددت الخطة سعر الكيلوواط في مؤسسات المياه والقطاع العام بـ 18.5 سنتاً مما سيؤدي الى افلاس القطاع العام. اما للامتيازات كمؤسسة كهرباء زحلة وغيرها سيصبح 15.5 سنتاً مما سيؤدي الى فرض تعرفة غير واقعية على المشتركين، بسبب زيادة ارباح شركات الامتياز، وستبلغ تعرفة المنشآت الصناعية 18.5 سنتاً، مما سيؤدي الى زيادة الاثمان على السلع.
وسيكون الاشتراك على التوتر العالي موازياً للاشتراك على التوتر المنخفض اي 18.5سنتاً وهو بدل غير عادل كون الاشتراك على التوتر العالي لا يكبد الشبكة عبئاً موازياً للاشتراك على التوتر المتوسط. أما التعرفة للمشترك العادي الذي يستهلك اكثر من 500 كيلواط فستصبح 30 سنتاً لكل كيلواط، وللقطاع الزراعي ستصبح 18 سنتاً للكيلواط. علما ان سعر الصرف هو على اساس 20.000 للدولار.
وتمنح الخطة صلاحيات اضافية لمقدمي الخدمات DSP كالفوترة والجباية وغيرها، ومثل هذا الاجراء يعد خطيراً من ناحية عدم الشفافية وغياب المراقبة الفعلية، ما يستوجب وضع إطار قانوني واضح يحدد العلاقة ما بين مؤسسة كهرباء لبنان ومقدمي الخدمات الى حين خصخصة قطاع التوزيع بالكامل على غرار كهرباء زحلة مثلا.
وتقترح الخطة الغاء العقد رقم J&P Avax علماً بان هذا العقد يعود للعام 2013 وهو لبناء معمل دير عمار 2 الذي لم ينفذ وهو موضع مراجعة قضائية (تحكيم)، ولذا لم تذكر الخطة اي تفاصيل بهذا الخصوص متعلقة بإنعكاسات الغاء العقد ودور المتعهد ومسؤوليته.
ويرد في الخطة بانه تم تحويل رصيد قرض الصندوق العربي البالغ 15 مليون دولار الى مؤسسة كهرباء لبنان حصراً دون احتساب اي جزء منه لتأهيل معامل الليطاني التي توفر سنوياً للخزينة العامة أكثر من 50 مليون دولار اميركي ومن دون ان تحصل مصلحة الليطاني على مستحقاتها المتراكمة لدى مؤسسة كهرباء لبنان البالغة 152مليار ل.ل. (متأخرات ثمن طاقة كهرومائية مباعة الى مؤسسة كهرباء لبنان، وهذا المبلغ كان يعادل 100 مليون دولار اميركي).
وترد بشكل خجول ومن دون اي تفاصيل عملية تأهيل المعامل المائية الموجودة (لم تلحظ معمل رشميا العائد لمؤسسة كهرباء لبنان البالغة قدرته 13ميغاواطاً والمتوقف عن العمل منذ 3 سنوات).
وأشارت الخطة الى ضرورة تمويل عمليات التأهيل من القطاع الخاص بمبلغ 170 مليون دولار، علما بأن 81% من هذه القدرة تعود للدولة اللبنانية (199 ميغاواطاً- المصلحة الوطنية لنهر الليطاني و13 ميغاواطاً – معمل رشميا – مؤسسة كهرباء لبنان و20.6 ميغاواطاً – معامل القاديشا- مؤسسة كهرباء لبنان)، ويبقى فقط 19% للقطاع الخاص عبر الامتيازات اي نهر ابراهيم – 32 ميغاواطاً والبارد 17 ميغاواطاً . فكيف سيشارك القطاع الخاص في تأهيل معامل تعود للدولة اللبنانية وما هي الصيغة القانونية؟ وحيث ان هذه المعامل تحتاج الى تأهيل طارئ لرفع انتاجها في مدى زمني قصير لذلك يتوجب حسب المعنيين بالامر تأمين التمويل من الصناديق المانحة عبر الطرق القانونية وبواسطة الدولة اللبنانية وليس القطاع الخاص.