على خطى رئيس النظام السوري بشار الاسد يسير حزب الله في لبنان. حينما اندلعت الثورة في سوريا وقرر الاسد اخمادها بأي وسيلة، ذهب الى انتهاج الخيار الايراني المناوئ للعرب فاستعان بطهران واذرعها العسكرية وكل ما تيسر من ادوات تكفل بقاءه في قصر الشعب مهما بلغ الثمن. عادى العرب وتحدى قراراتهم فردوا بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في اجتماع طارئ عقده وزراء الخارجية في القاهرة عام 2011 لحين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية وأعلنوا فرض عقوبات اقتصادية وسياسية ضد دمشق. لم يمتثل الاسد ونجح بمعاونة طهران وموسكو في البقاء في منصبه حتى الساعة. وبعد احد عشر عاما بدأ العرب البحث في امكان اعادة دمشق الى الجامعة على رغم “تمرّد” الرئيس السوري وعدم الايفاء بوعود كثيرة قطعها لهم، ويحول دون ذلك رفض بعض الدول العربية لا سيما الخليجية هذا التنازل.
تجربة الاسد مشجعة جدا لحزب الله في لبنان. فقد وجد في تخاذل العرب نقطة ضعف اساسية تتيح له التفوق لمصلحة طهران ومضى في المسار فنجح ايضا، بفعل تشتت فريق المعارضة وانغماسه في البحث عن مصالح فئوية، ومن خلال احكام سيطرته على الدولة بكل مفاصلها تمكن من تعميق الهوة بين لبنان ودول الخليج وابعاده عن محيطه العربي وربط مصيره بالمحور الايراني، من دون ان يتأثر بالدعوات المتكررة المتأخرة من بعض المسؤولين في الدولة بوجوب التزام سياسة النأي بالنفس لعدم الحاق الضرر بمصالح لبنان، بعدما ادى ابتعاده عنهم الى سقوطه الى قعر هاوية الانهيار، لا بل بادر امينه العام السيد حسن نصرالله مباشرة و”على كعبها”، الى التهجم على دول الخليج في خطابه الاخير غير عابئ لا بالرد اللبناني على الورقة الخليجية ولا بأي ورقة أخرى، من اي جهة تأتت، ما دام المهم الوحيد بالنسبة اليه هو القرار الايراني في ما خص لبنان، والباقي “يغلوه ويشربوا زومو”. اما ما نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة قوله ان كل بنود الورقة الكويتية قابلة للتنفيذ باستثناء تنفيذ القرار 1559 فمضحك مبك، ذلك ان اصغر طفل في لبنان يعلم علم اليقين ان جوهر الورقة يكمن في تنفيذ هذا القرار بالذات الذي يفرض نزع سلاح الحزب، مصدر فائض قوته الذي يرهّب به اللبنانيين ويخضعهم ويحمل بعض القوى السياسية على ربط نزاع معه، او تجنب مواجهته وهو “بيت القصيد”.
تقول مصادر سياسية لـ “المركزية” في معرض مقاربتها للواقع هذا، ان من يأمل بفك ارتباط لبنان بإيران في هذه المرحلة واهم جدا، الا ان حصلت اعجوبة وانتفضت بيئة الثنائي على الفقر والجوع والذل الذي يقبع معظمها فيه بفعل سياسة الحزب التي رهنت لبنان لمصلحة مشاريع ايران في المنطقة وذلك من خلال استحقاق ايار الانتخابي، وهو شأن مستبعد. فطهران الساعية الى توسيع نفوذها في المنطقة، بعدما فرضت نفسها لاعبا دوليا اساسيا عبر ملفها النووي الذي اضطر اميركا واوروبا الى مفاوضتها ليست في وارد التنازل عن ورقة على مستوى من الاهمية التي يشكلها لبنان نسبة لموقعه الاستراتيجي على حدود اسرائيل اولا، بما تعني الدولة العبرية لهؤلاء جميعا، وللأهمية التي توليها اوروبا له، لا سيما فرنسا والفاتيكان ثانيا، وباعتباره نموذجا تسعى دول كثيرة لتطبيقه. فهل من يظن بعد ان ساحة كهذه تشكل افضل صندوق بريد ترسل طهران عبره رسائلها الى العالم عن بعد، قد تتخلى عنها في لحظة بالغة الدقة حيث تدور في فيينا المفاوضات النووية، وفي بغداد مفاوضات ايرانية- سعودية؟ قطعا لا تجيب المصادر، وما دام في لبنان من يدعم مشروع ايران مباشرة او عبر التحالفات وتقديم الغطاء الشرعي للاشرعية السلاح والمشروع، ستبقى بيروت رهن اشارة اصبع نصرالله ومصير اللبنانيين عرضة للتلاعب به بحسب ما تقتضي حاجة الفرس.
وتختم: ان اقصى ان ما يطمح اليه الحزب راهنا، هو تكريس امر واقع قديم مستجد لاستخدامه في الاستحقاقين النيابي والرئاسي من اجل فرض رئيس جمهورية من ضمن محوره، يكمل مسيرة تسليم البلاد اليه بعدما نجح في فرض الرئيس ميشال عون وفي تعزيز مسيرته هذه التي يعمل على توطيد اسسها بخطوة السيطرة الكاملة على الدولة، استباقا للمرحلة المقبلة بما قد تحمل من تقلبات وتغييرات وموازين قوى ومفاجآت محتملة.