بين “خطة إصلاح قطاع الكهرباء” و”سلفة الخزينة” لشراء الفيول الخاص بمؤسسة كهرباء لبنان، واستجرار الطاقة من مصر والأردن، “ضاع” ملف تشكيل هيئة ناظمة للكهرباء… ولاحت في الأفق ملامح تعطيله.
عند عرض مشروع قانون الموازنة العامة 2022، أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن مجلس الوزراء سيعيّن هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء، حتى بادره وزير الطاقة والمياه وليد فيّاض في الأمس بتصريحٍ بدا وكأنه ينسف هذا الوعد، ليُعلن نيّته تعديل القانون 462 قبل تشكيل الهيئة الناظمة.
وهنا برزت محاذير جديدة تُنذِر بعرقلة إصلاح الكهرباء الذي لم يَعُد مطلباً لبنانياً فحسب، بل دولياً أيضاً.
الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر تشرح لـ”المركزية”، أن “القانون 462 الصادر عام 2002 نَصّ على وجوب تعيين هيئة ناظمة للكهرباء، أُدرِج ضمن سلّة قوانين إصلاحيّة قبل الذهاب إلى مؤتمرات باريس 1 و2، ومن بينها تعيين هيئة ناظمة للاتصالات، وتعيين هيئة ناظمة للطيران المدني…إلخ”، وتقول: كان الهدف من التوجّه إلى تعيين الهيئات الناظمة تلك، هو إبعاد السياسة المتمثلة بوزير الوصاية، عن الأمور الإدارية، فيكون بذلك فصلٌ للسلطات ويُمنَح بالتالي لكل من الهيئات المُشار إليها، الترخيص القانوني والقرار المستقل.
وتُضيف: منذ العام 2002 لم يتم تطبيق هذا القانون، علماً أن أهميّته تكمن في ضرورة تشكيل هيئة ناظمة، فصل لأنشطة الكهرباء، تشركة القطاع الخاص في قطاع الكهرباء وفق أسس قانونية ومناقصات شفافة.
لماذا لم يتم تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء حتى اليوم؟ تُجيب أبي حيدر: في العام 2010 عند وضع الخطة الأولى لقطاع الكهرباء في فترة تولي النائب جبران باسيل وزارة الطاقة والمياه، تم تقديم مشروع قانون لتعديل القانون 462 وهذه التعديلات تنصّ على أن تكون مهام الهيئة محصورة بأعمال إداريّة محدودة وسحب كل الصلاحيات منها ووضعها في عُهدة وزير الطاقة، فيما الهدف من إنشاء تلك الهيئة النأي بقطاع الكهرباء عن السياسة. وإذا تم تعديل القانون لمصلحة الوزير وعدم إعطاء الهيئة صلاحيات واسعة، فعندئذٍ يكون تشكيلها من دون جدوى.
“التجارب فاشلة في هذا الموضوع”، تُضيف أبي حيدر، “لا سيما في هيئة إدارة قطاع النفط التي تم تعيينها من دون إعطائها أي صلاحيات بل حصرها بيد مجلس الوزراء ووزير الوصاية”.
وتتابع: إذاً، نحن في غنى عن تشكيل هيئات ناظمة ضعيفة غير مسلّحة بأي صلاحيات، فيما المطلوب تعيين هيئة ناظمة وفق آلية محددة، وسَبق للبنك الدولي أن وَضَعَ آلية يتم بموجبها تعيين أعضاء مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، إنما لم يتم الأخذ بها، بل تم تعيينهم على أساس المحاصصة السياسية والطائفية.
وتُضيف: سمعنا وزير الطاقة في الأمس يؤكد أن “القانون 462 سنعمل على تعديله قبل تطبيقه”. أي أننا نعود إلى نقطة الصفر تحت حجّة أن القانون يفتقر إلى أمور عدة، وهذا غير صحيح إطلاقاً، فالقانون كامل متكامل. كما أن الكلام عن أن القانون المذكور مُقتَضَب، يفتقد إلى الصحة لأن القانون مفصّل بدقة في كل البنود والمواضيع، فقط لم يتطرّق إلى موضوع الطاقة المتجددة بشكل موسَّع لأن المسائل المتعلقة بها جديدة وحديثة ويمكن ان يتم تغطيتها في الموازاة بقوانين ومراسيم تطبيقيّة وتنفيذيّة كما في سائر البلدان ولا بد من الاشارة بوجود مسودة قانون لانتاج الطاقة المتجددة الموزعة لا بد من اقرارها في اقرب وقت.
وإذ تشدد على “وجوب تطبيق القانون كما هو دون تعديلات و تعيين هيئة ناظمة خصوصاً أنه مطلب دولي من ضمن سلّة الإصلاحات المفروضة، وليس مطلب لبناني داخلي فقط”، تخشى أبي حيدر اليوم من “العودة إلى النقطة الأساسية التي تثير مخاوفنا وهي إدخال العامل السياسي في تشكيل الهيئة، وطالما تسيطر السياسة على ملف الكهرباء، لن تكون هناك نيّة بتعيين هيئة ناظمة مستقلة، فإما تكون هيئة تابعة لطرف سياسي معيَّن، أو سيتقرّر عدم تطبيق القانون”.