كتبت هيام القصيفي في “الاخبار”:
ثمة شعور لدى التيار الوطني الحر بأنه يخطو خطوات واثقة نحو تحقيق «انتصار» سياسي، محلي وإقليمي، أبعد من الانتخابات النيابية. حتى إن الاتفاق النووي والدور الروسي في أوكرانيا باتا من عدّة الشغل الانتخابي.
من ملف ترسيم الحدود البحرية وتحييد الجيش اللبناني عنه واستعادة الاتصالات مع الأميركيين، الى محاولة فرض إيقاع محلي على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يتصرف التيار الوطني الحر على أنه في حالة انتعاش. وحين ينكشف أي معطى يتعلق بالواقع الداخلي ومستقبل النظام وانفتاح حزب الله على محاور جديدة وإطلاقه مسيّرات، يتحول التيار من حال الترقب والانكفاء كما في الأشهر التي أعقبت 17 تشرين، الى ما يشبه الإعلان المبكر عن فوز المحور المحلي والإقليمي الذي ينتمي إليه، الأمر الذي يجعله حكماً في رأس لائحة المستفيدين محلياً.
ففي مجالسه الحزبية والشعبية، حديث عن أنه بات متقدماً الى حد كبير في المسار الإقليمي والدولي ما يمكن أن يُترجم في الساحة المحلية، وهناك فائق من الثقة الزائدة بأن «الانتصار» أصبح ورقة في رصيده. يدور الكلام من النجاحات في الخارج الى الداخل، أي في استثمار ملامح اتفاق أميركي ــــ إيراني مبكر، أو فائض القوة في دور روسيا في أوروبا ومواجهة الولايات المتحدة في أوكرانيا، أو في «استقرار» النظام السوري وعودة الحرارة الى العلاقة بين التيار ودمشق، الى تمنّع الدول العربية عن اتخاذ خطوات جرى التلويح بها ضد لبنان، ومجموعة مؤشرات يعتقد أنها تصبّ في مصلحته.
هذا الشعور باحتمالات حدوث متغيرات في الواقع اللبناني، ومنها ما يتقاطع مع دور حزب الله وصفقة تلزيم المرفأ عيّنة منها، يدفع التيار الى الرهان أكثر فأكثر على ارتفاع منسوب استفادته منها بقدر استفادة حلفائه. وهناك مستويان من تعامل التيار مع الاستحقاقات المقبلة، المحلي الصرف المتعلق بالانتخابات النيابية، والبعد الإقليمي والدولي لاستحقاق رئاسة الجمهورية، وما بينهما رؤيته للنظام اللبناني.
في المستوى الأول، يتصرف التيار على أنه الطرف الأكثر اطمئناناً لما قد يحصده في الانتخابات بإعلان نتائجه مسبقاً في أوساطه وعدد مقاعده، محدداً مواقع الخسارة التي ستلحق بمقاعد القوى الأخرى وتعثّر خصومه. يلعب التيار لعبة إعلامية وشعبية في قاعدته، بوضع ناخبيه في صورة الفوز المحتم، رغم ما تعرفه قياداته من حقائق «علمية بالأرقام»، تتعلق باتجاهات القاعدة ومدى الخسارة التي لحقت به نتيجة سنوات من الممارسة الداخلية الحزبية وسياسته في ظل العهد الحالي. لكن مما لاشك فيه أن بقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ضامناً للتيار وفي قصر بعبدا، لا يزال يمثل بالنسبة الى التيار حصانة لا يمكن تجاهلها. كما لا يمكن تجاهل محاولته الاستفادة من الترويج لشعار متعلق بالملاحظات على ورقة التفاهم وتطويره من أجل تمتين القاعدة الشعبية، حتى لو لم يحصل هذا التطوير.
في المقابل، يزيد رهان التيار في شكل تصاعدي، في مجالسه، على التشرذم في المعسكر الذي يواجهه، من تفتت أصوات الناخبين وانقسام القوى المعارضة له، سواء كانت حزبية أو مستقلة. وهذا الأمر يعوّل عليه مع كل تعثّر في صوغ تحالفات بين خصوم العهد.
رغم كل ذلك، يتعامل التيار مع الانتخابات كأنها ليست الشغل الشاغل والأوحد، فيصرف كل ما في جعبته فيها. بالعكس، فإن النافذة التي لا يزال يتمسّك بها تتعلق بالتمديد للمجلس النيابي. هنا يكمن الاستثمار الداخلي، إذ يعوّل التيار على التمديد، رغم كل التصريحات وجولات الاستعداد للانتخابات النيابية. في مكان مفصلي، يصبح التمديد حاجة له ومعبراً أساسياً لمرحلة سياسية تتعلق باستحقاق رئاسة الجمهورية وما بعدها، لأنها لا تزال تشكل المساحة الأكثر أماناً والأقل خطورة. لكن خطوة الرئيس سعد الحريري بتعليق العمل السياسي تثير الأسئلة حول مسار التمديد، الذي بدا واضحاً أن نواب المستقبل لن يسيروا به بل سيقدمون استقالتهم من المجلس النيابي في حال السير به، ما يجعل التيار وحزب الله وحركة أمل، إذا ما اتخذ قرار التمديد على مستوى خارجي، في صف واحد، مقابل معارضي التمديد. وهذا المسلك يصبح أكثر خطورة على الوضع الداخلي إذا جمعت الأصوات الكافية من أجل تحقيقه، وخصوصاً أن الكلام الداخلي يتحدث عن جملة ذرائع وأساليب تحت الطاولة لا تزال صالحة لاستخدامها من أجل تطيير الانتخابات.
المستوى الثاني يتعلق برئاسة الجمهورية لأنه لا يزال التحدي الأول والأخير. بين إبعاد الجيش، أو بالأحرى قائده، عن ملف التفاوض واستخدام التطويق الداخلي القضائي على سلامة في لعبة الاستنفار الشعبي، وبين السعي الى استعجال السبق الانتخابي الرئاسي، يصبح لكل حدث محلي ارتداداته الرئاسية من الآن وحتى موعد الاستحقاق. وما بدأ يلوح خارجياً بالنسبة الى التيار لا علاقة له بمقاعد نيابية مهما كانت أهمية الاستحقاق الانتخابي دولياً وإقليمياً. فالأشهر القليلة التي تفصل الانتخابات النيابية عن الرئاسية لن تكون كافية لصوغ مستقبل قصر بعبدا وإلى من سيؤول. فالكلام الجدي يدور من الآن مع الخارج حول كيفية خروج الحلف «المنتصر» بفوز رئاسي، يكون ضمناً بنداً أساسياً في كل ما يرتسم في الأفق لشكل النظام والطروحات المتعلقة به. ما عدا ذلك، تفاصيل يومية من عدّة الشغل، لا أكثر ولا أقل، حتى لو كان ثمنها زيادة الاهتراء الداخلي.