Site icon IMLebanon

عندما يطالب “الحزب” بالحياد! (بقلم رولا حداد)

عاش اللبنانيون صدمة قاسية في الأيام القليلة الماضية، إذ ما إن صدر بيان وزارة الخارجية اللبنانية الذي أدان الغزو الروسي لأوكرانيا ودعا لوقف العمليات العسكرية، حتى بادر “حزب الله” وجوقته إلى الهجوم على هذا البيان والسؤال لماذا لم يلتزم لبنان الحياد حيال الحرب الروسية- الأوكرانية!

نعم “حزب الله” الذي يرفض منذ أعوام في كل أدبياته كل مطالب الحياد، والذي شنّ الحملات العنيفة على دعوات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للالتزام بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، والذي اعتبر “إعلان بعبدا” الذي شدّد على الحياد لا يساوي قيمة الحبر الذي كُتب فيه وتنصّل من الإعلان بعد ساعات على التوقيع عليه، “حزب الله” نفسه بات يسألنا عن الحياد في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا!

كنا نودّ أن نصدّق غيرة حزب إيران المستجدة على لبنان ومصالحه وعلى ضرورة تحييده عن الصراعات والحروب، وخصوصاً أن بالفعل للبنان مصالح كثيرة مع أوكرانيا كما مع روسيا، وربما كان الأجدر بلبنان ألا يُقحم نفسه في الحرب المندلعة هناك، على الأقل تشبّهاً بالمواقف العربية التي التزمت الحياد الفعلي واكتفت بالدعوة إلى العودة إلى الدبلوماسية والابتعاد عن الحروب.

كنا نودّ أن نصدّق نوايا “حزب الله” وحرصه المزعوم، لولا أن هذا الحرص يأتي استنسابياً وأشبه بـ”Menu a la carte”، فهو يرفض إدانة الغزو الروسي وممارسات آلة القتل الروسية تجاه الشعب الأوكراني المسكين والمسالم الذي يكتفي بالاستبسال في الدفاع عن أرضه وعرضه وممتلكاته ودولته ومؤسساته، في حين يصرّ على الدفاع المستميت عن الحوثيين في اليمن في مواجهة دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

إنها دعوة استنسابية للحياد وفق الأجندة الإيرانية. فإيران المتحالفة مع روسيا تريد من لبنان ألا يتعاطف مع الشعب الأوكراني الذي يتعرض لما يشبه الإبادة الجماعية. وإيران نفسها تطلب من “حزب الله” ليس فقط تأييد الحوثيين ودعمهم ببيانات سياسية وإعلامية، إنما تكلّف الحزب بالقتال مباشرة إلى جانبهم في اليمن وبتدريبهم على استهداف السعودية والإمارات بالصواريخ البالستية والمسيّرات، كما بفتح فضائيات لهم في الضاحية الجنوبية وإقامة مخيمات تدريب لهم في البقاع، إضافة إلى إقامة الاحتفالات الخاصة بهم على الأراضي اللبنانية!

عن أي حياد يحدثنا “حزب الله”؟ الفرق الكبير وفق منطق مصالح الدولة اللبنانية العليا أن الحياد قد يكون واجباً تجاه ما يجري بين روسيا وأوكرانيا لأن للبنان مصالح كبرى تربطه بالدولتين كما أن اللبنانيين منتشرون في الدولتين. أما في الملف اليمني فإن لا مصالح للبنان مع اليمن والحوثيين بل إن كل مصالحه العليا مرتبطة بدول الخليج العربي كلها وفي طليعتها السعودية والإمارات والكويت والبحرين وغيرها، واللبنانيون فيها بمئات الآلاف ويحوّلون مليارات الدولارات سنوياً إلى لبنان كما أن حجم التبادل التجاري بمئات ملايين الدولارات في حين أن لا علاقات مع الحوثيين لا بل إن لبنان يعترف رسمياً بالشرعية اليمنية لا بالحوثيين الذين يحاربونها!

في اختصار، وعلى طريقة “ربّ ضارّة نافعة”، أنا على ثقة بأن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تعتبر أن مصالحهم تقتضي الالتزام بالحياد الكامل، ولذلك فهم يثنون على الاستفاقة ولو المتأخرة لـ”حزب الله” على الحياد، ويدعونه إلى إقران القول بالفعل وإعلان الالتزام بالحياد والابتعاد عن كل صراعات المنطقة والانسحاب العسكري من حروبها ووقف إساءاته بحق دول الخليج العربي والاعتذار عن كل ما سبق وبدر منه، علّنا نكون التقينا على نقطة أساسية تؤمّن المصالح اللبنانية العليا، فنلتف مجدداً حول مبادرة بكركي تحت سقف تحييد لبنان وننطلق في مسيرة إعادة بناء الدولة إنطلاقاً من تحديد سياساتها الخارجية وتحييدها… فهل ثمة آذان صاغية من الضاحية الجنوبية إلى طهران؟!