Site icon IMLebanon

حسابات انتخابية لبنانية غريبة

كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

ترخي التحضيرات الانتخابية بظلالها على المشهد اللبناني، وسط أزمات معيشية واقتصادية خانقة. ويتسابق المتبارون على استخدام كل الوسائل في معركتهم، بما في ذلك القضايا التي تتعلق بالمصلحة العليا للدولة، او التي ترتبط بالمصالح الحيوية لعامة الشعب. وفي هذا السياق فإن الفريق الحاكم وقوى الممانعة يمارسون جمعا غريبا في الحسابات، وخلطا بين ما يتعلق بالانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في 15 مايو القادم، وبما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للدولة قبل 30 اكتوبر 2022.

من أبرز الملفات التي يتم استحضارها من قبل فريق الحكم، موضوع ترسيم الحدود البحرية مع «إسرائيل» وقد ثبت بالوقائع أن الرئاسة الأولى تراجعت عن موقفها المتمسك بالخط 29 بموجب تسوية نسجت خيوطها مع المبعوث الأميركي المكلف بالوساطة آموس هوكشتاين في جلسة في قصر بعبدا في 10 فبراير، وقد أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون على إثرها أن الخط 23 وليس الخط 29 هو أساس المفاوضات البحرية، وهذا يعني التخلي عن مئات الكيلومترات المربعة من المياه البحرية. كما أن البيان الذي صدر عن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب حول أحداث أوكرانيا، وفيه مسايرة للموقف الأميركي، يأتي من ضمن سياسة استثمار المواقع الرسمية اللبنانية لصالح تسوية ملف العقوبات المفروضة على صهر الرئيس عون رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ليتمكن من خوض الاستحقاقات الانتخابية القادمة، بعد أن ضاق الخناق عليه في الأوساط الشعبية ومن قبل الدول الخارجية، رغم نفي باسيل ذلك.

وحزب الله خرج عن كل الضوابط الوطنية في طريقة التحدي التي فرضها على الأجواء الانتخابية، من خلال طروحاته الإلغائية، فيما يشبه فقدان الأعصاب السياسية، وهدد كل من ينتخب مرشحي الفريق السيادي بالويل والثبور. وقد شبه بعض قادة الحزب انتخاب هؤلاء كمن ينتخب «إسرائيل» وبأنه يشارك بحرب تموز سياسية ضد الحزب، واصفين كل من يقترع للمعارضين لهم بأنه يبيع نفسه بمائة دولار لبعض السفارات. وقد لاقت هذه المواقف موجة استنكار عارمة، لأنها تلقي على مواطنين تهم الخيانة وتمس بكرامتهم، بينما الغالبية من المواطنين تتهم حزب الله بعقد صفقات في حرب تموز 2006 وبغيرها لصالح وضع اليد على لبنان، والحزب هو الذي يستخدم الأموال ذات المصدر الخارجي المعروف لرشوة بعض المحتاجين مقابل تأييد سياسته.

هذه الحسابات الانتخابية الغربية تترافق مع محاولات متكررة من فريق الممانعة ذاته لفرض ظروف قاهرة تقضي بتأجيل الانتخابات، منها التلاعب بالملفات الأمنية والقضائية، ومنها محاولة طرح موضوعات تعجيزية تتعلق باقتراع المغتربين وبطلب إنشاء مراكز انتخاب الكترونية «الميغاسنتر»، وقد تبين حتى الآن أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، والانتخابات أصبحت أمرا واقعا ولا يمكن إلغاؤها، والرأي العام اللبناني حاسم في موقفه المؤيد لإجرائها، وبيان مجلس الأمن الدولي الذي صدر بإجماع اعضائه أكد على ضرورة حصولها في موعدها.

مما لا شك فيه أن فريق الحكم وقوى الممانعة محشورين من نواح متعددة، ويستخدمون أساليب غير مشروعة في مناهضتهم للقوى السيادية ولحراك المجتمع المدني، بما في ذلك الاتهام بالخيانة ورصد مبالغ مالية كبيرة لاستثمارها في الانتخابات ضدهم. وقد ترك إخلاء الرئيس سعد الحريري للساحة الانتخابية فراغا كبيرا يحاول فريق الممانعة الاستفادة منه لإلغاء الفريق السيادي المعارض.

مصدر متابع لما يجري قال: يراهن فريق الحكم وداعموه على ضعف ذاكرة اللبنانيين، وأن هؤلاء ينسون مع الوقت الويلات التي سببتها سياستهم على البلاد، وغالبية الناخبين تعرف أن فريق الممانعة استثمر مؤسسات الدولة لمصالحه الشخصية والحزبية، والحكومة الهشة التي شكلوها برئاسة حسان دياب بعد الانتفاضة هي التي تمنعت عن سداد سندات اليوروبوند وأعلنت افلاس الدولة في 20 مارس 2020، وقد ضربوا بعرض الحائط المبادرة الفرنسية ومطالبة القوى السيادية بتشكيل حكومة انقاذ محايدة لوقف الانهيار.