كتبت مايا الخوري في “نداء الوطن”:
مغنية وممثلة مسرح وتلفزيون، تميّزت سينتيا كرم بتشعّب أدوارها وتنوّع نشاطاتها الفنية. ورغم ارتباط اسمها في السنوات الأخيرة بمسرح جورج خبّاز إلا أنها تألقت أخيراً بأدوار درامية مركّبة من بينها “فيرا” في مسلسل “الزيارة” و”نورا” في مسلسل “بكّير” الذي يُعرض حالياً عبر المؤسسة اللبنانية للإرسال. عن شخصية “نور” ومختلف نشاطاتها تحدثت سينتيا كرم إلى “نداء الوطن”.
تؤدّين دور “نورا”، في مسلسل “بكّير”، كيف بنيت هذه الشخصية الريفية البسيطة؟
تخيّلت هذه الشخصية عندما قرأتها على الورق، لحظتها شعرت بأنها شمس المسلسل، الذي يحوي أحزاناً كثيرة وأحداثاً موجعة. لذلك فكّرت بتقوية نورها قليلاً لخلق توازن ما بين الوجع والضحكة الخفيفة التي تقدّمها. عاشت “نورا” وحيدة في السهل الذي تسترزق منه، لذا تبدو لهجتها مزيجاً بقاعياً. تُضحكنا بمواقفها البسيطة والبريئة والساذجة أحياناً، لكنها صادقة ووفية ومحبّة وردود فعلها اللفظية طفولية. لقد نفّذت الشخصية التي تخيّلتها أمام الكاميرا بدعم من الأستاذ سمير حبشي الذي أعطاني الحرية المطلقة في الأداء، خصوصاً أنه اكتشف مدى تشرّبي لها.
رغم نجاحك في أدائها تعرّضت لتنمّر قاسٍ بسبب إطلالتك الطبيعية من دون إخفاء التجاعيد وما شابه، فواجهت بشجاعة، برأيك لمَ أصبح المجتمع عديم الرحمة إلى هذا الحد؟
لم أواجه بشجاعة بل بحبّ، ولم أحارب بل تقبّلت الموضوع من دون المسّ بشخصي. لا أرى المجتمع عديم الرحمة، بل على العكس مفعم بالحبّ والعطاء. تلقيت كمّاً هائلاً من الحبّ والتقدير والحنان والدعم مقابل الإنتقادات الجارحة المحدودة جداً. لطالما كان هناك تنمّر وانتقاد في المجتمع، إنما ما يهمّني فعلاً هو أن أنام مرتاحة الضمير بعد مراجعتي لأحداث النهار، وإطمئناني إلى أنني أعطيت أقصى ما أستطيع.
نلاحظ إرتفاع نسبة التنمّر في المدارس والجامعات، وعبر مواقع التواصل، ماذا تقولين للضحايا؟
إن التعرّض للتنمّر أمر بشع جداً لدى كل الفئات العمرية، وطالما أننا مختلفون بطبعنا، فمن الصعب إذاً أن يتمكّن الجميع من المواجهة، لذا من المهمّ أن نتفهّم الآخر الذي قد ينطوي على ذاته. أدعو ضحايا التنمّر إلى عدم تصديق كل ما يقال لهم، فإذا قيل اننا بشعون مثلاً، فهذا لا يعني أننا كذلك. كما أدعو إلى اعتبار المتنمّر شخصاً يمرّ بمرحلة صعبة لذا “يفشّ خلقه” فينا. لقد تمكنت بعد مرور سنوات طويلة من فهم أسباب التنمّر الذي تعرّضت له في طفولتي وصباي. ففهمت أن المتنمّر يشعر بالقوة والسيطرة حين يتعرّض للآخرين فيما يخفي أحياناً وجعاً كبيراً، لذا أدعو إلى التعامل مع التنمّر بحبٍ شرط أن نحبّ ذاتنا والتصالح معها لنرتاح.
يوجّه هذا المسلسل رسائل إنسانية كثيرة، برأيك كم من أمٍّ تعاني من حرمانها أولادها مثل “مجدلا” وزوج قاسٍ كـ”سمير” في المجتمع؟
يشبه هذا المسلسل المشحون بالوجع مجتمعنا وبيوتنا، هو مسلسل حقيقي وواقعي بكل ما للكلمة من معنى. لقد وضعت الكاتبة كلوديا مرشليان أوجاع الناس ومشاكلنا اليومية فيه بأسلوب سلس.
لقد طرح مشكلات إجتماعية إقتصادية ومشكلات علائقية إنسانية، برأيك أيهما أشدّ وطأة على الإنسان؟
أي مشكلة إجتماعية هي كبيرة بغض النظر عن ماهيتها، إقتصادية أو إنسانية، إنما برأيي أصعب ما يمكن مواجهته هو حرمان أمّ من أولادها. إنه أقسى شعور في الحياة، وأقول ذلك عن خبرة.
على صعيد دراما المنصّات، قدّمت “فيرا” المسكونة بروحٍ شريرة في مسلسل “الزيارة” وهو دور جريء جداً، أخبرينا عن هذه التجربة الفريدة؟
أعتبر هذا المسلسل من أجمل التجارب التي خضتها، لأنه تميّز بفريق عملٍ إعتاد على هذا المستوى من الإنتاجات الضخمة. أخشى عادة المواضيع اللامألوفة واللاطبيعية إنما كانت هذه التجربة جميلة، لجهة الحرفية العالية والتكنولوجيا المبهرة التي اعتمدت في التصوير. إضافة إلى الإعتناء بجزيئات المسلسل البسيطة، حيث اطلعنا على المؤثرات الخاصة وشاهدنا كيفية تنفيذ المشاهد قبل تصويرها لنتمكن من الأداء وفق نظرة المخرج الذي فسّر لنا تفاصيل اللقطات وما المطلوب منّا تحديداً. فضلاً عن قراءتنا القصة للتعرّف إلى كل شخصية على حدة، ما ساعدنا على تكوين شخصياتنا وذلك بفضل النص المدروس.
بم تميّزت شخصيتك في مسلسل “أمنيزيا” الذي عُرض أيضاً عبر “شاهد”؟
قدّمت دوراً مركباً أيضاً، لامرأة تثير الشفقة في مواقف معيّنة لكنها الرأس المدبّر الذي بلغ أقصى حدود الإجرام بسبب الحبّ. تميّزت “أمل” بتنقلها بين مستويات عدّة، حيث تبدو ضعيفة في البداية، لكنها تصبح قاسية ومجرمة فتدفع الثمن في النهاية. لقد كانت تجربة جميلة أيضاً بإدارة المخرج رودني حدّاد الذي ساعدني كثيراً في تركيب الشخصية.
تختارين دائماً الأدوار المركّبة الصعبة وتحرصين على إظهار التفاصيل، إلام تعزين هذه الدقّة في الأداء؟
أعزو ذلك إلى الخبرة الأكاديمية والمهنية، وإلى المسرح وإلى عامليْ الإحساس والعين في الحياة. أي مراقبة الناس والإحساس بهم، ما يساعد في تركيب الشخصية. وأعزو ذلك أيضاً إلى حبّي لأي دور أؤديه مهما كان شريراً، فأضع نفسي في أفكار الشخصية ومشاعرها وأطرح الأسئلة التحليلية لبنائها. إلى ذلك، تعلّمت خلال دراستي الأكاديمية من الأستاذ غبريال يميّن كيفية النظر إلى الناس والمراقبة وحبّ الشخصية التي أؤديها.
ما هي نشاطاتك المسرحية الحالية؟
خضنا منافسة من ضمن مهرجان “دوار الشمس”، تحت عنوان “أربعة أمتار مربعة للتحدث”، إرتكزت على تقديم مسرحية تخضع لشروط معيّنة، منها أداء نصّ يتضمن كلمات “ثورة، إنفجار، “كورونا” على مساحة 4 أمتار فقط من دون أي أكسسوارات. ربحت 3 مسرحيات المنافسة من ضمنها مسرحيتي وفؤاد يمين “نحن وناطرين نوح” (كتابة وإخراج كريم شبلي وساره عبده)، ستُعرض مساء 24 و25 و26 شباط على مسرح “دوار الشمس”. كما نحضّر مسرحية للمركز الثقافي الفرنسي مع برونو طبّال كمخرج وممثل والكاتب وليد يازجي يُفترض عرضها في بداية شهر نيسان.
لقد تأثّر المسرح بشكل مباشر بعد “الثورة والإنفجار والوباء”، هل بدأ يستعيد عافيته أم لا يزال في العنايـــــة المركزة؟
لم أتوقّع هذا الإقبال الكثيف على المسرح في ظل الأزمة الإقتصادية الحادة وارتفاع الأسعار. شعرنا بأن الجمهور يحتاج إلى متنفّس وإلى ارتياد المسارح، لذا أتمنى أن تكون إنطلاقة عودة الحياة الفنية ومن خلالها الأمل والفرح.
إرتبط اسمك في السنوات الأخيرة بمسرح جورج خبّاز، بم تتميّز أعماله؟ وما الذي حققته من خلال هذا التعاون؟
مسرحه ساحر، كسب جمهوراً إعتاد مشاهدة أعماله سنوياً، من كل الفئات العمرية والإجتماعية. هو مسرح يُضحكنا ويُبكينا في آن، يعلّمنا، فنخرج من القاعة مرتاحين فرحين. أختبر على هذه الخشبة شخصيات جديدة في كل عام، وإن واجهت الجمهور نفسه، إلا أن الإختبار يأتي مختلفاً في كل مرّة. من جهة أخرى، نختبر معه الأحاسيس الممزوجة بالتعب الجميل، فمهما كانت ظروفنا الجسدية والنفسية صعبة، يجب أن نبقى حاضرين ونشطين. أقصى ما يتمناه أي ممثل هو التعاون مع عملاق مثل جورج خبّاز وعمالقة في المسرح.
أي عنوان ستحمل المرحلة المقبلة؟
“أنا حاضرة” لاختبار أشياء جديدة وتجارب جديدة واستقبال أناس جدد أؤدي شخصياتهم.