من خارج سياق التطمينات العونية للوسيط الأميركي بمنح “حزب الله” الضوء الأخضر لإبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وفق إحداثيات الخط 23، باغت “الحزب” العهد وتياره أمس بهجمة مرتدة استهدف فيها “الوسيط وغير الوسيط” في ملف الترسيم، ضارباً يده على طاولة المفاوضات ليعلن بصريح العبارة أن وقوفه خلف “بارافان” الدولة كان من “أكسسوارات” المرحلة التفاوضية السابقة، أما اليوم فباتت الضرورات والمستجدات تقتضي وقوف الدولة خلفه… على قاعدة “إذا حضر الأصيل بطل الوكيل”!
في أكثر من اتجاه، تطايرت شظايا الموقف التصعيدي الذي أطلقه “حزب الله” على لسان رئيس كتلته البرلمانية النائب محمد رعد، لا سيما لناحية دعوته العاملين على خط مفاوضات الترسم إلى “تبليط البحر”. إذ رأت أوساط مواكبة للملف أنّ هذه الدعوة “وإن كانت تستهدف بشكل مباشر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي وصفه بـ”الثعلب”، لكنها أصابت بشكل غير مباشر الجهود التي يقودها رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لإنجاز صفقة الترسيم مع هوكشتاين قبل نهاية العهد”، خصوصاً وأنّ رعد كان واضحاً في تلويح “حزب الله” بإبقاء الغاز “مدفوناً” في المياه اللبنانية “ما لم نستثمره كما نريد”.
وبينما لم تستبعد المصادر أن يكون مسار “المفاوضات والمقايضات الجانبية” الذي يخوضه باسيل مع الجانب الأميركي في أكثر من ملف واستحقاق، قد استثار “حزب الله”، خصوصاً إثر “بيعة” إدانة الخارجية اللبنانية “الاجتياح الروسي” لأوكرانيا، وهو موقف صوّب عليه رعد صراحةً أمس بوصفه “يستجيب لمزاج بعض اللبنانيين الذين يحبوّن الغرب”، غير أنّ الأوساط نفسها لم تستبعد في الوقت عينه أن يكون لقرار “حزب الله” انتزاع راية “الترسيم” ومغادرة تخندقه السابق خلف راية “ما تقرّره الدولة”، أبعاد تصعيدية “عابرة للحدود” في ضوء التطورات الملتهبة والمتسارعة على أكثر من جبهة إقليمية ودولية، موضحةً أنّ “الحرب العالمية” المستعرة راهناً بين روسيا والصين وإيران من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وسائر دول العالم من جهة أخرى، من شأنها “أن تفرض تموضعات وتكتيكات جديدة في مختلف الساحات والملفات، وعلى الأخص بالنسبة لمحور الممانعة الذي بدأ يحبس الأنفاس بانتظار ما ستفرزه هذه الحرب من نتائج وتداعيات عليه، سواءً في ما يتصل بمصير المفاوضات النووية الإيرانية، أو في ما يتعلق بتضعضع أوراق القوة والنفوذ تحت وطأة اشتداد الخناق العالمي على روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الحليف الاستراتيجي لطهران والراعي الأكبر لطموحاتها النووية وأجندتها التوسعية في المنطقة”.