كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
يشكل إنشاء مراكز الـ»”ميغاسنتر”» مطلباً إصلاحياً أجمع الأفرقاء على وقف تنفيذه منذ أن طرح في العام 2017، ليفتح اليوم باب الإجتهادات القانونية لتطبيقه، بين الحاجة إلى تعديل المادة 85 من قانون الإنتخاب المرتبطة بتحديد مراكز الإقتراع أو الإستعاضة عن ذلك عبر اعتماد المادة 124 من القانون نفسه (44/2017) التي تجيز لوزير الداخلية التقدم باقتراح إلى مجلس الوزراء لتحديد دقائق تطبيق القانون على غرار ما حصل لتنظيم اقتراع المغتربين، بعيداً عن ربطه بإقرار البطاقة الممغنطة التي يَصعب تحقيقها في هذه الظروف.
في جلسة تعديل قانون الإنتخاب (19 تشرين الأول 2021) وقبل انقضاء المهل التي لحظها لتسجيل المغتربين وتجميد القوائم الإنتخابية ألحّ بعض النواب على ضرورة إنشاء مراكز الـ»ميغاسنتر»، وكانت المطالبة لتسلك طريقها نحو التنفيذ في حال توافرت الإرادة السياسية لذلك، بما يتكامل مع اقتراح القانون المعجّل المكرّر المُقدّم من النائب شامل روكز، والذي يتيح إنشاء مراكز انتخاب كبيرة مدمجة بعد تعديل المواد 85 و89 من قانون الإنتخاب، وتطبيق الآلية التي اعتمدت مع المغتربين على المقيمين الراغبين في الإقتراع خارج أماكن قيدهم.
يوضح روكز لـ»نداء الوطن» أن الإقتراح الذي تقدّم به في 25 تشرين الأول 2021، لا يزال في أدراج مكتب المجلس الذي ارتأى عدم عرضه على الهيئة العامة حينها. ولدى الإستيضاح عن الأسباب التي حالت دون عرضه، يقول: «مش مرتاحين للموضوع»!.
وأشار إلى أنّ الإقتراح الذي تقدّم به يقوم على اعتماد الآلية التي اعتمدت مع المغتربين من دون الحاجة إلى البطاقة الإلكترونية، وذلك عبر إنشاء 10 مراكز في المحافظات على أن يُخصَّص مركزان للـ»ميغاسنتر» في كل من محافظة بيروت وجبل لبنان نظراً لكثافتهما السكانية.
ولفت روكز إلى أن الطعن في قانون الإنتخاب الذي تزامن مع الإقتراح الذي قدّمه، أدّى إلى إضاعة الناس والوقت لحين بتّ المجلس الدستوري به، ما حال دون الضغط مجدداً لعرض الإقتراح على المجلس ليسلك طريقه نحو التنفيذ.
«ما رح نقبل»…!
وإن كان المسار الطبيعي لإدخال الإصلاحات لتنظيم العملية الإنتخابية بما لها من أسباب موجبة، يتطلب تعديل القانون في مجلس النواب، إلّا أنها أتت عبر مطالبة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مجلس الوزراء بالعمل على إنشاء مراكز الـ»ميغاسنتر» قبل أسابيع من إقفال باب الترشح إلى الإنتخابات المتوقع إجراؤها في 15 أيار المقبل، ليتبنى «تكتل لبنان القوي» في بيانه الأسبوعي هذا الطرح ويستكمل رئيس «التيار» النائب جبران باسيل التصعيد من خلال التشديد على عدم القبول بتجاهل هذا المطلب، وذلك رغم إعلان وزير الداخلية بسام المولوي «عدم جهوزية الوزارة لإصدار البطاقة الممغنطة وإنشاء تلك المراكز وإعادة تمديد المهل لتسجيل الراغبين في الإقتراع خارج أماكن قيدهم، وتنقيح لوائح الشطب مجدداً وحذف الأسماء من سجلات القرى لصالح الـ»ميغاسنتر»، وغياب الطاقم البشري والتقنيات المطلوبة لربط المراكز إلكترونياً في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها كافة مؤسسات الدولة».
الـ»ميغاسنتر» التي تُجمع القوى السياسية على أنه مطلب إصلاحيّ لا يمكن رفضه، عزّزت طرحه في هذا التوقيت الريبة والمخاوف من خلق ذرائع لتأجيل الإنتخابات كما أعلن أمين سر اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن لـ «نداء الوطن»، مؤكداً أن «اللقاء» ليس لديه موقف سلبي من الأساس حول الموضوع، مشدّداً في الوقت نفسه على عدم القبول في البحث بأي مطلب يكون الهدف من ورائه تأجيل الإنتخابات تحت أي ظرف ولو لساعة واحدة.
وتوجّه أبو الحسن إلى المطالبين بتطبيق هذا المطلب الإصلاحي، قائلاً: «رئيس الجمهورية صرلو خمس سنين في السلطة مع الحكومات المتعاقبة المشاركين بها، لماذا لم يقروا الـ»ميغاسنتر»؟ لماذا إثارتها قبل شهرين من الإنتخابات؟».
بدوره، يرفض عضو «تكتل لبنان القوي» النائب آلان عون وضع مطلبهم الإصلاحي في خانة التمهيد لتأجيل الإنتخابات، مشيراً إلى أن «وزارة الداخلية توزّع أسماء المقترعين على مراكز الإقتراع قبل 20 يوماً من الإنتخابات، ما يؤكد أن المهل تسمح باستحداث مراكز الـ»ميغاسنتر» كونها لا تتطلب تغيير القوائم الإنتخابية التي سبق أن حدّدت الجهة التي باستطاعتها الإنتخاب، إنما تتطلّب توزيع أسماء المقترعين الراغبين في الإقتراع داخل المراكز المستحدثة وشطبها من قوائم الإقتراع التي توزّع على المناطق على غرار ما حصل مع المغتربين».
وفي استطلاع لآراء القوى السياسية حول الـ»ميغاسنتر»، فضّل النائب علي فيّاض المكلّف من قبل «حزب الله» بمتابعة الملف الإنتخابي عدم التعليق على الطرح قبل الرجوع إلى قيادة الحزب، ما أوحى أنّ هذا الطرح لم يرتقِ إلى الجديّة المطلوبة ليبقى طرحاً إعلامياً لا أكثر.
الـ»ميغاسنتر» وتعديل القانون
ولأن المطالب الإصلاحية تتطلب احترام الأطر القانونية لاعتمادها، أوضح المحامي الدكتور عادل يمّين لـ «نداء الوطن» أن الأسباب الموجبة لاعتماد الـ»ميغاسنتر» قوية جداً، لأنها «تساهم في رفع نسبة المشاركة في الإنتخابات، وتوفر على الناخبين مشقة وكلفة الإنتقال إلى المناطق حيث قيود نفوسهم، وتؤمّن لهم حرية أكبر في ممارسة حق الإقتراع، بعيداً عن الأحزاب والقوى القائمة في المناطق التي تمارس سطوتها ونفوذها ما يؤثّر على حرية الناخب في الإختيار بشكلٍ أو بآخر»، لتضاف إلى ذلك «كلفة الإنتقال التي تعزّز دور المال الإنتخابي، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص، بين المرشحين المقتدرين والمرشحين غير المقتدرين، ما يضرب مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص».
ولفت يمّين إلى أنّ الـ»ميغاسنتر» ليس مذكوراً في القانون الإنتخابي، وهو غير مرتبط إطلاقاً بإقرار البطاقة الممغنطة، إنما المادة 85 من القانون 44/2017 التي خصّصت من أجل تحديد مراكز وأقلام الإقتراع، تفتح الباب أمام اجتهادات وتفسيرات دستورية»، مشيراً إلى أنّه «بعيداً عن السجال السياسي، ومن الناحية التقنية والعمليّة من الممكن بسهولة اعتماد الـ»ميغاسنتر» ضمن المهل المتبقّية، عبر تخصيص موقع إلكتروني لتسجيل المقترعين، على غرار ما حصل مع المنتشرين، ليتمّ على أثر ذلك، شطب قيودهم من مكان قيد النفوس ووضعهم كناخبين في مراكز الـ»ميغاسنتر» التي يختارونها في لبنان»، مؤكداً أنه في حال توافر الإرادة السياسية لذلك، فإنّ هذه العملية لا تتطلب الكثير من الوقت وتكاليفها ليست مرتفعة.
أما في ما يتعلق بالشق القانوني، فأوضح وجود 3 مقاربات للتمكن من إنشاء الـ»ميغاسنتر»:
الأولى، «في حال اعتُمد التفسير للمادة 85 الذي يقول إنّ الدائرة الإنتخابية تحدّد بقرار من الوزير لعدد من مراكز الإقتراع، أي مراكز الإقتراع تبعاً لمكان القيد، أي عن واجب وزير الداخلية في ما يتعلّق بالناخبين حسب قيود نفوسهم، ولكنها لا تمنع الوزير من إقامة مراكز اقتراع أخرى تبعاً للـ»ميغاسنتر»، فإن هذا الأمر يمكن أن يتم إما بقرار وزير وإما بقرار من مجلس الوزراء، عندها لا حاجة من أجل تعديل القانون». (في حال عدم وجود منع يعني وجود إباحة وهذه المسألة تحتمل الرأيين).
وعندها وبحسب أحكام المادة 124 من القانون، يمكن تحديد دقائق تطبيق القانون بمراسيم تتّخذ في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين على غرار ما حصل مع المغتربين.
الثانية، «في حال اعتماد التفسير الذي يقول إن هذه المادة تحصر مراكز الإقتراع في قيد النفوس، حينها تتطلّب تعديلاً قانونياً، إما بمبادرة من مجلس الوزراء عبر مشروع قانون ويرسل عبر مرسوم رئاسي جمهوري يوقّع عليه رئيسا الجمهورية والحكومة والوزير المختص (الداخلية) إلى مجلس النواب، الذي قد يعطيه صفة العجلة بعيداً عن دراسته في اللجان، تقرّه الهيئة العامة ويصدره رئيس الجمهورية خلال 5 أيام إذا كان لديه صفة العجلة».
أما المسلك الأخير، فـ»يكون عبر إقتراح قانون معجل مكرر بمادة وحيدة يمكن أن يقدمه نائب واحد، وإذ ذاك يتم تجاوز اللجان، ويعرض مباشرة على الهيئة العامة، ويقرّ، وتكون مهلة إصداره خمسة أيام»، علماً أن هذا الإقتراح كما سبق وذكرنا، مُقدّم وموجود في أدراج مكتب المجلس ويتطلب وضعه على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس للتصويت عليه وإقراره.
يمّين الذي يشدّد على أهميّة الـ»ميغاسنتر» لتحرير الناخبين من الضغوط الإقتصادية والسياسيّة بما يساهم في إنجاح العملية الديمقراطية ويرفع نسبة المشاركة فيها، توقف جلياً عند أهمية وجود الإرادة السياسية لإبعاد هذا الملف الإصلاحي عن السجالات والمناكفات التي قد تطيح بكل شيء.
وفي الختام، وإن كانت مطالبة الحكومة التي أنشأت 219 مركزاً في 59 دولة في العالم لتمكين المغتربين من الإقتراع، بإنشاء عدد من المراكز لتنظيم وتسهيل العملية الإنتخابية للمقيمين محقة وممكنة، إلا أنّ توقيت طرحها اليوم في ظل الكباش السياسي الحاصل بين القوى السياسية يفتح الآفاق أمام العديد من الإحتمالات تبدأ من المطالبة بتأجيل «تقني» للإنتخابات وصولاً إلى الطعن في نتائجها لعدم تأمين مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الناخبين. فهل ينضم الـ»ميغاسنتر» إلى لائحة «ما خلونا»؟.