كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لم يصدق رفيق كمال والد الطالب هادي كمال أنه حضن ولده من جديد، ايام عصيبة عاشتها العائلة بانتظار وصول ولدها الهارب من جحيم الحرب الروسية ـ الاوكرانية. ايام طويلة لم ينم خلالها رفيق كما زوجته وهما يتابعان تفاصيل فرار ابنهما هادي من لهيب نيران الموت التي اشتعلت في مقاطعات اوكرانيا، ومنها مقاطعة بولتوفيا حيث يتابع هادي دراسته الجامعية في اختصاص الطب.
بالامس وصل هادي مع عدد من الطلاب اللبنانيين الى مطار بيروت، علامات التعب البادية على وجوه الجميع تخبر حجم المعاناة التي عاشوها قبل ان يعبروا حدود الموت الى بر الأمان.
سبعة ايام من عمر الحرب الدائرة رحاها في اوكرانيا، كان هادي ورفاقه يغرقون في الخوف، هل من نجاة من القصف؟ ماذا ينتظرنا؟ كيف سنهرب؟ كيف سننجو؟ أسئلة حتمية لمصير مجهول على حد ما يقول هادي الذي يروي تفاصيل الايام الثلاثة التي وصلوا خلالها الليل بالنهار ليخرجوا من قلب الموت كما يصف المشهد.
في رحلة العذاب المرة التي مشاها هادي مع 11 طالباً من رفاقه سيراً على الاقدام لثلاثة أيام متواصلة من دون نوم ولا مأكل ومشرب، عاش الخوف والقلق، كان هاجس الموت يلاحقهم مع كل انفجار وقذيفة وصاروخ.
بين السير على الاقدام والتنقل عبر القطار المزدحم بطالبي الحياة، عاش هادي جحيم الحرب الذي ذاق لهيبها سابقاً في لبنان، ويعرف معنى ان تعيش في ظل المعركة ونيران القذائف.
غير أن للحرب الدائرة في اوكرانيا وجهاً آخر، فهي قد تجر العالم كله نحو حرب عالمية ثالثة، بدأت تداعياتها الاقتصادية بالظهور مع ارتفاع أسعار النفط العالمي، تماماً كارتفاع ضغط الخوف في قلب هادي وكل طلاب لبنان الذين تركوه بحثاً عن افق آخر ومستقبل جديد بعيداً من الجحيم الاقتصادي.
قبل ثلاث سنوات، غادر هادي لبنان لدراسة الطب في إحدى جامعات مولتوفيا، كان يحلم ان يصبح طبيباً ناجحاً ومشهوراً، يقف الى جانب اهله وناسه على حد قوله، الا ان كل الاحلام أصبحت في المجهول. عاد وزميله علي زريق من رحلة الموت التي عاشاها .
هو قدر اللبناني ان يعيش الموت، «كان الخطر يلاحقنا في كل رحلتنا» يقول هادي وقد عاد لكن قلبه وعقله ظلا مع رفاقه العالقين تحت جمر الحرب وازيز دباباتها الملعونة، يقول إن «رحلة الثلاث ساعات في القطار بين خاركوف وكييف كانت محفوفة بالخطر، كان صوت القصف يرافقنا متزامناً مع الخوف، شعرنا انه في اي لحظة قد نخسر حياتنا، الوضع صعب ومأزوم جدا».
بحقيبة صغيرة على ظهره هرب هادي ورفاقه، حين استشعر ان الخطر قد دنا منهم، كان يعتزم العودة قبل الحرب «لكن الجامعة رفضت مغادرتنا بالتزامن مع بيان وزارة الخارجية، وكان مصيرنا الجامعي على المحك»، يأسف «لان السفارة اللبنانية لم تتدخل في هذا الاطار، لكنا تجنبا كل هذا الخوف والقلق والرعب»، ويضيف «رأيت الموت بعيوني، في كل رحلتنا الصعبة، حيث البرد القارس والجوع والعطش، كان همنا ان نصل الى الحدود مع رومانيا لنتنفس الصعداء. 50 كلم من العذاب، واضيف اليها انتظار اكثر من 5 ساعات على الحدود مع رومانيا للاستحصال على تصريح السفارة للدخول اضافة الى كلفة التاكسي».
كان صعبا على الطلاب اللبنانيين ان يجتازوا مخاطر الحرب، سيما وانهم وجدوا انفسهم من دون دعم لولا المساعدة التي تلقوها من رجل الاعمال محمد مراد وعدد من رجال الأعمال اللبنانيين الذين أمنوا للطلاب كل مقومات الصمود ووصولهم الآمن الى لبنان. يقول هادي إنها «اصعب تجربة على طالب ان يواجه ما واجهناه، وهناك طلاب مجهولون ولا نعرف عنهم شيئا».
بين دموع الفرح والقلق في آن يتحدث والد هادي الذي أثلج قلبه برؤية ولده أمام عينيه بعد ايام من المعاناة، وضع كل امكاناته وانشأ غرفة عمليات لمتابعة احوال ابنه ورفاقه عن كثب، لم يعول كثيراً على دولته، فتجربتهم معها في الدولار الطالبي «كفيلة بأن لا نثق بها، شاطرة بالحكي الاعلامي فقط».
لم تكتمل فرحة هادي، فهناك رفاق له ما زالوا تحت الخطر، في مناطق النزاع الناري، ويدعو الدولة للتواصل مع الصليب الاحمر لتأمين خروج آمن لهم.
عاد هادي ولكن ماذا عن مستقبله العلمي، ومستقبل كل الطلاب؟ هو ما سيشغل باله وبال الجميع في الفترة الراهنة وكأنه كتب على اللبناني ان يعيش المر في لبنان وخارجه فمتى ينتهي هذا الجحيم؟