كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
فاجأ الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الوسط السياسي وجمهوره بإعلانه أسماء مرشحي الحزب لخوض الانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار المقبل بإبقائه القديم على قدمه، باستثناء استبداله النائب الحالي أنور جمعة عن دائرة زحلة بالمرشح رامي أبو حمدان، وبترشيحه للمرة الأولى أحد الكوادر الحزبية الرئيس السابق لبلدية بلدة عين الغويبة رائد برو عن المقعد الشيعي عن دائرة كسروان – جبيل، مدافعاً بذلك عن النواب الحاليين الأعضاء في الحزب وداعياً إلى محاسبته بالنيابة عنهم.
فإعلان نصر الله لأسماء مرشحيه للانتخابات جاء بخلاف التوقعات بأن يشمل التغيير 3 من النواب الحاليين على الأقل، ما يفتح الباب أمام إعادة ترشيح أحد أبرز الوجوه السياسية في الحزب، النائب السابق محمد فنيش الذي عزف عن خوض الانتخابات في الدورة السابقة بعد قرار الحزب بفصل النيابة عن الوزارة، على أن تُسند له إحدى الحقائب الوزارية.
كما أن نصر الله بإعلانه أسماء مرشحيه نأى بنفسه عن مصارحة جمهوره ومحازبيه بمراجعة نقدية يسرد فيها أين أصاب النواب وأين أخطأوا، وهل كانت تحالفاته في محلها، برغم كل ما أصابها من هبّات باردة وأخرى ساخنة جاءت صنيعة حليفه في ورقة التفاهم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي يطالب بإعادة النظر في مضامينها في محاولة لاسترداد جمهوره وهو يستعد لخوض الانتخابات النيابية.
فنصر الله لم يكن مضطراً ليدير ظهره للحراك الشعبي الذي انطلق في 17 تشرين الأول 2019 ولو من باب التوجه بموقف من مؤيديه يحدّد فيه ما له وما عليه، بدلاً من أن يصر على تمديد ترشيحه للنواب الحاليين، وكأن العاصفة التغييرية التي نادى بها من انتفضوا على الواقع المرير الذي وصل إليه البلد لم تقترب من حاضنته الشعبية؛ خصوصاً أن المعاناة لم تقتصر على طائفة أو مذهب دون الآخرين.
لذلك، فإن نصر الله أراد من تمسّكه بترشيح النواب الحاليين، ما عدا النائب جمعة، توفير الحماية لهم والنأي بهم عن المحاسبة، مع أن الشعار الذي اختاره في ترشيحه لهم «نبقى نبني ونحمي» لم يُترجم عملياً على الأرض، لأن حركة الاحتجاجات توسّعت مع انطلاقتها لتشمل معظم المناطق الخاضعة لنفوذ الحزب قبل أن يقرر التدخُّل للسيطرة عليها.
ومع أنه لم تُعرف الأسباب الكامنة وراء إصرار نصر الله على عدم إحداث تغيير يحاكي فيه من خلاله الحراك الشعبي، فإنه أراد في المقابل توجيه رسالة يتجاوز فيها الداخل إلى الخارج، مفادها أن الحزب لا يزال على تماسكه وأنه لا ضرورة للتغيير تحت وطأة التدخّلات الخارجية التي يتهمها بـ«التآمر على المقاومة» استجابة للولايات المتحدة وسفارات دول غربية.
كما أن نصر الله بإقفاله الباب أمام استبدال بعض نوابه الحاليين بنواب آخرين أراد أن يعفي نفسه مما يمكن أن يترتب على إقحام الكوادر الأساسية في الحزب في لعبة المفاضلة بين مرشح وآخر، لأن مجرد إعطائه فرصة للتغيير سيؤدي إلى جرّه لتجاذبات هو في غنى عنها، مع أن الأجواء الداخلية كانت تتوقع منه المبادرة إلى إحداث تغيير لإعطاء الفرصة لمرشحين آخرين.
وعليه، فإن نصر الله أراد «إعفاء» الحزب من التغيير مستخدماً ما لديه من نفوذ من جهة، ومن قدرته على أن يتحمل وحده المسؤولية في إبقائه القديم على قدمه في تمثيل الحزب في البرلمان، وإلا لم يكن مضطراً لتحمّل المسؤولية حيال محاسبته شخصياً بدلاً من إخضاع بعض النواب إلى تقويم موضوعي يتعلق بأدائهم التشريعي؛ خصوصاً أن الحاضنة الشعبية للحزب لا تخفي انتقاداتها لبعضهم ممن لم يكن لهم أي حضور في المجلس النيابي ولجانه أسوة بزملائهم من النواب الأعضاء في كتلة «الوفاء للمقاومة»، وبالتالي لا بد من رصد رد فعل السواد الأعظم من الأعضاء في الحزب، وإن كانت ستبقى صامتة في الغرف المغلقة ولن تخرج إلى العلن كما يجب، مع أن التمديد للنواب لا ينسجم ورغبة جمهوره الذي يتطلع إلى التغيير.
ويبقى السؤال؛ كيف سيتصرّف رئيس المجلس النيابي نبيه بري وهو يستعد حالياً للإعلان عن أسماء مرشحي حركة «أمل» والمستقلين الأعضاء في كتلة «التنمية والتحرير»؛ خصوصاً أنه قطع شوطاً كبيراً على طريق مراجعته لأسماء المرشحين، وتردّد بأن التغيير سيبقى محصوراً في دوائر الجنوب الانتخابية، ويمكن أن يطال نائبين أو أكثر ما عدا القرار الذي اتخذه عضو الكتلة النائب ياسين جابر بعزوفه عن خوض الانتخابات، وهذا ما أبلغه قبل أيام إلى الرئيس بري.
فبغياب جابر عن لائحة الترشيحات بقرار ذاتي منه يفتقد البرلمان قامة نيابية من «العملة النادرة» لا يمكن تعويضها لما يتمتع به من قدرات في التشريع من ناحية، وفي تقديمه للموقف اللبناني من خلال ترؤسه للجنة الشؤون الخارجية التي أتاحت له التواصل مع السفراء المعتمدين لدى لبنان ومكّنته من أن ينقل وجهة النظر اللبنانية إلى الخارج كما يجب، إضافة إلى دوره في لجنة المال والموازنة النيابية، وأيضاً تولّيه أكثر من منصب وزاري. فالنائب الحالي جابر سيترك بصماته التشريعية إكراماً للأدوار التي لعبها والمشهودة له من الجميع، سواء أكانوا في الموالاة أو في المعارضة.
وأخيراً، هل ينسحب تحييد «حزب الله» نفسه عن إحداث تغيير في تمثيله النيابي على حركة «أمل» شريكته في الثنائي الشيعي؟ أم أن رئيسها بري يصر على أن يطل على جمهوره ومحازبيه بوجوه يغلب عليها التجديد؟ والسؤال نفسه ينسحب على القوى السياسية الرئيسة باستثناء تيار «المستقبل» الذي ارتأى الخروج من المبارزة الانتخابية بعزوف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن خوض الانتخابات بعد أن تقدّم من التيار الأزرق بمراجعة نقدية.
لذلك، كان يُفترض بنصر الله أن يحذو حذوه ولو من باب رفع العتب، بدلاً من أن يعفي نوابه من المحاسبة ويمنحهم شهادات حسن سلوك ومكافأة على إنجازاتهم بتجديده الثقة فيهم!