يصعب فصل “الرعاية” الاميركية المركّزة التي أعطتها الولايات المتحدة الاميركية في الساعات الماضية، للبنان، عن التطورات المتسارعة في القارة العجوز. فبحسب ما تقول مصادر دبلوماسية لـ”المركزية”، أدركت واشنطن سريعا ان ايران تسعى الى توظيف الغزو الروسي لأوكرانيا، في الميادين التي لها نفوذ فيها في منطقة الشرق الاوسط، وفي القضايا التي تُعنى بها طهران بالمباشر وعلى رأسها مفاوضات فيينا. وقد ظهرت تباشير هذا الاستثمار في شروط اضافية عادت لتفرضها الجمهورية الاسلامية في شأن الاتفاق النووي، وفي تصلّب حزب الله المفاجئ في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وتل ابيب.
انطلاقا من هنا، تتابع المصادر، تحرّكت واشنطن سريعا في “هجمة مرتدّة” اذا صح التعبير، حيث ارادت إبلاغ ايران ان الساحة ليست خالية لها، وان الولايات المتحدة لا تزال حاضرة بقوة في المنطقة لا بل هي قادرة على التأثير بشدة في ملفاتها وشؤونها وشجونها.
في هذا الاطار، تصبّ الاحاطة المكثّفة الاميركية، بلبنان. ففي الاسبوع عينه، لا بل في ايام معدودة سُجّلت زيارات واتصالات اميركية عدة ببيروت: وفد رفيع من وزارة الخزانة الأميركية حطّ في لبنان وعبّر خلال زيارته، التي استغرقت ثلاثة أيام وانتهت الاربعاء، عن مخاوفه بشأن الفساد الذي يشوب النظام المالي اللبناني، مؤكدا على أهمية اعتماد الشفافية في العمليات المالية لمنع إساءة استخدامها وتهديد مصداقية لبنان”. وسلّط وفد الخزانة الأميركية الضوء، بحسب بيان السفارة الاميركية، على “القرض الحسن” الذي طرحته الولايات المتحدة كمثال على مؤسسة مالية زائفة توفّر غطاءً للنشاط المالي لحزب الله، مما يعرّض مصداقية النظام المالي اللبناني للخطر.
وبينما الوفد في بيروت، استقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان السفيرة دوروثي شيا، الثلثاء، وعرض معها العلاقات اللبنانية-الأميركية والتطورات الدولية الأخيرة وتداعيات الحرب الروسية-الاوكرانية، إضافة الى المراحل التي قطعها ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
ومساء اليوم ذاته، تلقى رئيس الجمهورية اتصالاً هاتفياً، من مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، فكتوريا نولاند، وبحثا، وفق بيان لرئاسة الجمهورية، المراحل التي قطعها التفاوض مع “صندوق النقد الدولي”، ونتائج زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية لبيروت، وتطورات ملف ترسيم الحدود الجنوبية البحرية، وعملية استجرار النفط والطاقة الكهربائية من مصر والأردن عبر سوريا والتحضيرات الجارية للانتخابات النيابية، فضلاً عن التطورات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.
وسط هذه الاجواء، أكد الرئيس عون تمسّكه بمسار المفاوضات الجارية برعاية اميركية، لترسيم الحدود، متجاهلا بذلك، انتقادات حزب الله، لدور المفاوِض وانحيازه للكيان العبري.
وساعات قليلة بعيد الدينامية الاميركية هذه كلّها، والتي يمكن القول ان مواقف رئيس الجمهورية “النوعية” أوكرانيّا وترسيميا، شجّعتها… صوّت لبنان في الجمعية العامة للامم المتحدة، ضد روسيا، مدينا غزوها لاوكرانيا، متبنّيا بذلك الموقف الاميركي – الغربي من الهجوم، خلافا للقراءة الروسية – الايرانية له..
بعد هذه المعطيات كلّها، تؤكد المصادر ان الصراع على النفوذ في المنطقة مستمر بين واشنطن وطهران، والاكيد ان التركيز الاميركي على بيروت، يصب في هذه الخانة، وشكله ومضمونُه واضحان: لن نترك لبنان للجمهورية الاسلامية وسنواصل مطاردة حزب الله بالوسائل كلّها… فكيف يُمكن ان يرد الاخير على واشنطن وعلى انعطافة “حليفه” في بعبدا؟