كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:
لم يكن ينقص الانتخابات النيابية في لبنان إلا الحرب على أوكرانيا لتزيد من «الغبار» الذي يلفّها، سواء لجهة «صمود» موعد إجرائها في 15 أيار المقبل أو «التوقّعات» حيال نتائجها التي باتت تكتسب في ضوء التداعيات الجيو – سياسية للاجتياح الروسي أبعاداً أكثر شمولية.
وفي موازاة بدء «انفلاش» التشظيات الاقتصادية «المدمّرة» الناجمة عن فتْح الرئيس فلاديمير بوتين «صندوق باندورا» الأوكراني تاركة لبنان أمام خطر تسريع انحداره نحو القعر المميت بعد كل محاولاتِ فرملة انهياره المالي وتأخير الارتطام المريع، فإنّ قرقعة الحرب في عقر دار أوروبا بدأت تفجّر علامات استفهام حول انعكاساتها السياسية المحتملة لبنانياً وتحديداً على انتخابات 15 أيار في ظل الغموض الكبير الذي يحوط بارتدادات لجوء موسكو إلى «مكاسرة» الغرب عسكرياً من الخاصرة الأوكرانية على مراكز النفوذ الإقليمية والدولية التي أصبح واقعُ «بلاد الأرز» أكثر التصاقاً بها مع «التحامه» بالمحور الإيراني وتحَوُّل الاستحقاقات اللبنانية جزءاً لا يتجزأ من مقتضيات إدارته لمواجهاته في المنطقة.
وإذ باغتت موسكو الجميع في فيينا عبر محاولة إحداث «ربط نزاع» بين مفاوضات النووي الإيراني في «آخِر أمتارها» وبين الحَدَث الأوكراني المتفجّر بما يعكس «الأوعية المتصلة» بين مختلف الملفات والساحات اللاهبة، فإن هذا المناخ يعزّز تَرَيُّث الكثيرين في تقدير مفاعيل «الزلزال» الأوكراني، لبنانياً، وتحديداً على مسار الاستحقاقات الدستورية (من انتخابات نيابية تليها الرئاسية) التي من شأنها تحديد الاتجاهات السياسية، ولو كان تَفَوُّق «حزب الله» الداخلي كفيلاً بتقويض أي «رياح معاكِسة» قد تحملها صناديق الاقتراع.
وقبل 8 أيام على قفل باب الترشيحات لاستحقاق 15 أيار، وفيما كان يفترض ألا يكون هناك صوت يعلو فوق صوت «قرع طبول» معاركه التي لم يعُد يفصل لبنان عنها إلا 69 يوماً، زاد وهج «الجحيم الأوكراني» من خفوتِ هدير الانتخابات والاستعدادات لها أمام المخاوف «الزاحفة» من أن تصل «الحمم الاقتصادية» لهذا البركان إلى الوطن الصغير الذي يتقلّب أصلاً على جمر أزماته المتولدة من الانهيار الشامل الذي حوّله «هيكلاً عظمياً»، وسط بدء تلقي «بلاد الأرز» صدمات هذا الحَدَث على شكل حال هلع شعبي مزدوج:
أولاً من قرب اختفاء سلع استراتيجية مثل القمح والزيوت والسكر وسط فقدان الثقة بأن تنجح الحكومة في ضمان ديمومة توافرها عبر أسواق بديلة.
والثاني من ارتفاع أسعار المحروقات بشكل كبير.
وفي حين كانت السلطات اللبنانية تسعى لطمأنة المواطنين إلى أن أزمة البنزين «مفتعلة» وهي نتيجة جشع مزمن ومحاولة شركات مستوردة ومحطات وقود تحقيق أرباح حين تصدر (اليوم) تركيبة الأسعار الجديدة بزياداتٍ «حارقة» متوقَّعة قد يناهز معها سعر صفيحة البنزين ما بين 440 و450 ألف ليرة (من نحو 400 ألف)، وأن اختفاء سلع عن الرفوف هو نتيجة «تخبئتها» من سوبرماركت وتجار لضمان أرباح غير مشروعة، فإن أسئلة «مشروعة» لم تهدأ عن إمكان وقوع الانتخابات النيابية «ضحية» الحرب على أوكرانيا ونتائجها المتدحرجة في مختلف الاتجاهات، رغم صعوبة تَصَوُّر حصول مثل هذا الأمر في ظلّ «الخطوط الحمر» التي رسمها المجتمع الدولي بوجه أي تلاعُب بهذا الاستحقاق وتطييره ولو عبر تأجيل «تقني» لأشهر قليلة.
وإلى جانب التأخّر «غير المألوف» الذي يشهده المشهد الانتخابي في تقديم الترشيحات (يُنتظر أن تتكثف بقوة هذا الأسبوع) كما بت التحالفات والأهمّ ضمور الحماسة الشعبية بملاقاة استحقاقٍ لطالما «شحن» الأجواء السياسية قبل أشهر من موعده، فإن أوساطاً متابعة بقيت على تشكيكها في «نيات» أطراف وازنة في الداخل بإجراء الانتخابات، معربة عن اعتقادها أن محاولات التملص من موعد 15 أيار قد لا تنتهي حتى ربع الساعة الأخير، خصوصاً في ضوء الخشية من سعي لربْط الانتخابات النيابية بالرئاسية (موعدها خريف 2022) بحيث يكون الاستحقاقان في حلقة «عقدةٍ وحلّ» واحدة، أو يتحول أحدهما ورقة مقايضة على طاولة الثانية.
وفي هذا السياق، يتم التعاطي مع المحاولة المتجددة من فريق رئيس الجمهورية ميشال عون (التيار الوطني الحر) لإحياء طرح «الميغاسنتر» (مراكز كبرى لاقتراع مَن يرغب من الناخبين في أماكن إقامتهم) رغم ضيق الوقت الفاصل عن موعد الانتخابات والعوائق القانونية واللوجستية والمالية التي فنّدتها وزارة الداخلية.
وإذ يفترض أن يتبلور بعد الخميس المقبل، موقف «التيار الحر» من الملف الذي سيُعرض على مجلس الوزراء الذي سيكون أمامه التقرير الذي يفترض أن تضعه اللجنة الوزارية التي تم تأليفها حول إمكان اعتماد «الميغاسنتر» في انتخابات مايو، فإن هذا الموقف سيكون كفيلاً بتظهير هل أن فريق عون يخوض فقط معركة تسجيل نقاط في مرمى خصومه السياسيين والمسيحيين خصوصاً أم أن الأمر «فتيلٌ» لتعطيل الاستحقاق الانتخابي.