كتب د. فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:
كل الأنظار تتّجه اليوم نحو الحرب بين اوكرانيا وروسيا، وهي في الحقيقة أكثر من حرب بين دولتين متجاورتين، إنها حرب اقليمية وحتى دولية، ومعركة نفوذ، وصراعات أمنية، إقتصادية وإجتماعية، سيكون لها تأثير على المنطقة، والعالم، وحتى على لبنان بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
إنها في الحقيقة حرب بين البلدان الكبرى، بين الإتحادات الدولية لمن سيقود العالم من بعد جائحة كورونا وإعادة النظر في كل الإتفاقيات الأمنية، الإقتصادية والإجتماعية.
إن الرسالة الأولى التي نقرأها هي أن بعض البلدان عادت إلى محاولة فرض رأيها وهيمنتها بقوة السلاح وتفوّقها العسكري. فما نستعرضه اليوم هو عرض العضلات وإبراز الأسلحة الثقيلة كلغة تفاوض عدوانية، مما يجعلنا نتخوّف من أن تُستعمل الطريقة عينها في لبنان.
أما الرسالة الثانية، التي نقرأها فهي تتعلق بتدخل المجتمع الدولي وتفاعلات وردّات الفعل على صعيد فرض عقوبات فقط لا غير، أمام بلد يتهدّم وشعب يُهجّر ويشرد، وأي تدخل من بلدان أخرى سيؤدي إلى إندلاع حرب عالمية ثالثة.
إن هذه الحرب الراهنة ستؤثر مباشرة على أسعار النفط في العالم، حيث لامسَ سعر البرميل الواحد عتبة الـ 120 دولاراً بعدما وصل الى ما تحت الصفر منذ نحو عامين.
إن هذا الإرتفاع التاريخي سيؤدّي مباشرة الى رفع سعر صفيحة البنزين في لبنان وطن المازوت في ظل الأزمة الإقتصادية والإجتماعية الخانقة.
إضافة إلى ذلك، نتوقع التأثير المباشر على قطاع الغاز والزئبق والأمونياك التي تُصدّرها أوكرانيا إلى معظم بلدان أوروبا، والشرق الأوسط والعالم.
أما على صعيد الشق الزراعي، فأوكرانيا من أول البلدان الزراعية في المنطقة، وتُصدّر محصولها الضخم من القمح إلى العديد من البلدان العالمية بينها لبنان الذي يستورد منها نحو 350 ألف طن سنوياً.
لسوء الحظ نتوقع نقصاً في مخزون القمح لأن احتياطنا ضئيل جداً، ولا سيما جرّاء إنفجار مرفأ بيروت والإهراءات التي تخزّن القمح وذلك في 4 آب 2020.
علاوة على ذلك، إرتفع سعر القمح من 278 دولاراً للطن الواحد إلى ما يقارب الـ 300 دولار. أما أسعار مكيال الدرة، فقد إرتفع من 5.9 دولارات إلى نحو 7 دولارات. وهذا الإرتفاع في الإسعار سينسحب على البطاطا وباقي منتجات الخضار. إضافة إلى ذلك، سيشهد العالم إرتفاعاً في أسعار السلع الأساسية والضرورية مثل الخشب والحديد ومواد البناء وغيرها مما سيؤدي إلى تضخم في الأسعار والمنتجات.
من جهة أخرى، إن سلاسل التوريد ستتكبّد ضرراً كبيراً وإرتفاعاً في الأسعار، ولا سيما النقل والتأمين، وستستغرق وقتاً أطول من المعتاد. كما ستتسبّب بتأخير النقل والتسليم.
مرة أخرى، تدفع الإقتصادات العالمية والشركات والشعوب كلفة هذه الحروب التي تدمّر في بضع ساعات ما يُعمّره الرياديون في سنوات عديدة. فالحرب الحقيقية هي من بين الأغراض المختبئة والسياسية والأهداف المخفية في وجه النمو والإستثمار والبناء والتطوير.
فيما الأضواء والأولويات مسلّطة على أوكرانيا والحرب المستعرة مع روسيا، لا يزال لبنان يتراجع في سلّم الأولويات والإنتباه، ولا يزال يتدهور إقتصادياً، مالياً، نقدياً وإجتماعياً يوماً بعد يوم من دون توقف. فالرسالة الأخيرة التي نقرأها بوضوح هي أن لا أحد سيُسارع إلى نجاة لبنان وخلاصه، وعلينا مواجهة أزمتنا وحل مشاكلنا بأنفسنا ونزع الشوك بأيدينا مسلّحين بحريتنا وديمقراطيتنا، وحبنا للحياة وإنفتاحنا على العالم الحر.