Site icon IMLebanon

شكوك جدّية تعصف بالانتخابات!

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

يزداد الجدل سخونة: هل منظومة السلطة راغبة فعلاً في إجراء الانتخابات النيابية في 15 أيار، أم هي تبحث عن المبرِّرات لتطييرها من دون أن تتحمَّل أي مسؤولية أمام المجتمع الدولي؟

المعادلة واضحة. منظومة السلطة توافق على الانتخابات إذا اطمأنت إلى أنّها ستضمن احتفاظها بالسلطة. وأما إذا كانت هناك شكوك حقيقية في إمكان تحقيق هذا الهدف، فستعمل لتطيير الانتخابات بأي وسيلة كانت، حتى ولو لم يعجب ذلك المجتمع الدولي.

وتوحي الصورة بوجود مصالح متناقضة داخل مكوِّنات السلطة. فالثنائي الشيعي مرتاح إجمالاً، فيما «التيار الوطني الحرّ» خائف من تقلُّص حجم الكتلة النيابية، على أبواب انتخابات رئاسية ستكون حاسمة بالنسبة إليه. فخسارته هنا ستعني الخسارة هناك.

ولهذه الغاية، يستخدم فريق الرئيس ميشال عون كل ما يملك من أوراق في الأشهر الأخيرة من العهد، بما فيها تلك التي تشكّل استفزازاً للحليف الشيعي، ولا سيما منها المفاوضات حول الحدود البحرية والتقرُّب من الأميركيين. كما يستفيد من الدور الذي تضطلع به القاضية غادة عون في إزعاج الخصوم وإرباكهم بالملفات.

العالمون يقولون: في النهاية، عون يبحث عن مقايضة جديدة. فهو جاء إلى لبنان تحت جناح القرار 1559 فأبرم تفاهماً مع «حزب الله». وهو خاض الانتخابات تحت عنوان «الإبراء المستحيل» و«فساد الحريرية السياسية» فعقد معها صفقة سلطوية دامت طويلاً.

واليوم، في أي لحظة، سيتراجع «التيار» عن «تكبير الحجر»، وسيوافق على أي صفقة تضمن له البقاء في بعبدا، إما بالتمديد وإما بانتخاب النائب جبران باسيل.

وفي الموازاة، يدرك «حزب الله» أنّ خسارة عون مسيحياً سيستفيد منها خصوم «الحزب»، أي «القوات اللبنانية» خصوصاً. كما أنّ انفلات الساحة السنّية على المجهول، بخروج الرئيس سعد الحريري من اللعبة بناءً على تشجيع سعودي، سيصعّب على «الحزب» الإمساك بالطائفة. وربما سيجد مصلحةً في تطيير الانتخابات، عاماً على الأقل، للتهرّب من عواقب التغيُّرات في الساحتين السنّية والمسيحية، وتأثيرها على الانتخابات الرئاسية المقبلة.

«حزب الله» وحده يبدو قادراً، وبسهولة، على إحباط أي عملية إزعاج سياسية له، سواء قام بها الحلفاء أو الخصوم، بما في ذلك الانتخابات. فحلفاء «الحزب» يستمدّون قوتهم منه فقط. وتالياً، يستحيل عليهم مشاكسته، فيما هم تحت جناحه.

وقرار إجراء الانتخابات النيابية أو الرئاسية أو تطييرها مرهونان بـ»الحزب» وحده، وبمصالحه الاستراتيجية المرتبطة بواقع التوازنات الإقليمية والموقف الإيراني تحديداً. وهذا الموقف سيتأثّر خصوصاً بالاتفاق المرتقب في فيينا، والذي دخلت عليه عناصر جديدة مع اندلاع الحرب في أوكرانيا.

ولا يجرؤ أي طرف على المجاهرة برغبته في تطيير الانتخابات إذا اكتشف أنّها لن تناسبه. كما أن لا مبرّرات قانونية أو دستورية تسمح بالتأجيل من دون استثارة أزمة جديدة مع المجتمع الدولي. ولكن، في العمق، يحاول كل طرف في السلطة أن يمسك بورقة التعطيل لاستخدامها احتياطاً، عند الحاجة.

والثنائي الشيعي هو الأكثر ارتياحاً الى إجراء الانتخابات وفق القانون الساري المفعول. فقد اختبره في العام 2018 وجاءت نتائجه مضمونة. ولا مشكلة عنده في تكرار التجربة، ما دامت البيئة الشيعية مقفلة على أي تغيير، سواء بالمرشحين أو بمزاج المقترعين.

فالعاصفة التي أحدثتها «الثورة» تسبَّبت بموجات هزّت البيئة الشيعية لفترات قصيرة، لكنها سرعان ما توقفت تماماً. وليس هناك من أفق لتكرارها في ظل أحوال التشرذم والضياع التي تمرّ فيها جماعة 17 تشرين في الانتخابات.

فقط، كانت هناك بؤرتان يخشى الثنائي أن يتمّ الخرق من خلالهما: المغتربون و»الميغاسنتر»، لأنّهما يتيحان للمقترع أن يُمارس دوره خارج كنف البيئة الحزبية. وعلى الأرجح، نجح الثنائي في توفير الاطمئنان في الثغرتين.

وأما البحث الجاري في مسألة «الميغاسنتر»، بطلب من فريق عون، فلن يقود إلى أي نتيجة، إلّا إذا توافق الجميع على استخدامه ذريعةً لتطيير الانتخابات، سواء بهدف تمكين المجلس الحالي- لا الجديد- من انتخاب الرئيس المقبل للجمهورية، أو لتركيب صفقة تمديدٍ متكاملة نيابياً ورئاسياً.

ولذلك، إنّ الملفات التي يبدو الرئيس ميشال عون وكأنّه «يزكزك» فيها حليفه الشيعي، هي ليست كذلك في الواقع. بل إنّ من مصلحة «الحزب» نفسه أن يوحي للأميركيين والعرب بأنّ رئيس الجمهورية في لبنان ليس خاضعاً لنفوذه، وأنّه يتمايز عنه. ولطالما هو أراد ذلك من الرئيس سعد الحريري في موقع رئاسة الحكومة، وقبله من الرئيس رفيق الحريري.

وواقعياً، وضع الحريري الأب رصيده العربي والدولي في خدمة سلطةٍ وفّرت التغطية التي يريدها «الحزب». وكانت السلطة ثمرة صفقةٍ بين الحريري و»الحزب» وسوريا، بتغطية عربية ودولية.

والأرجح أنّ «حزب الله» يلتزم اليوم وضعية الترقّب. وهو يضع ملف الانتخابات في منطقة رمادية، ريثما تتبلور الصورة. وصحيح أنّ لحظة الحسم قد اقتربت، ولكن ليس بالضرورة أن تكون منتظرة خلال أيام. فباب الترشيحات سيُغلق بعد أسبوع، لكن تعطيل الانتخابات ممكن إجرائياً في أي لحظة، حتى الوصول إلى 15 أيار.

في فترات معينة، كانت الضرورات الأمنية هي التي ترجّح أي تعطيل مفاجئ للانتخابات. وأما اليوم فالأمور أسهل بكثير وأقل خطراً. وفي هذه اللحظة، هناك عنصر واحد يمكن التفكير فيه على سبيل المثال لا الحصر:

بتأثيرٍ من حرب أوكرانيا، إذا واصلت أسعار البنزين ارتفاعها دراماتيكياً، كما هو متوقع، وبلغ سعرالصفيحة 600 ألف ليرة أو 700 ألف، وإذا كان المواطن سيحتاج إلى الوقوف في الطوابير ساعات ليحصل على 10 ليترات كما حصل قبل أشهر، فكيف سيتمكن الناخبون من الانتقال إلى بلداتهم للاقتراع؟

المواطن العادي سيكون عاجزاً أو شبه عاجز. وستنشط باصات الأحزاب والمتمولين لـ»تحميل» مناصريهم والمحاسيب، مع «سندويشات» دسمة ومشروبات دافئة. وقد يدعمونهم أيضاً ببعض الليرات كـ«مصروف جَيْب». وهكذا، سيضمن الأقوياء إيصال الذين سيصوِّتون لهم. ولكن، ماذا عن المرشحين الآخرين العاجزين عن المجاراة؟

في عبارة أخرى، هل تكون الانتخابات شرعيةً في هذه الحال؟ ألا يحق للمرشحين الآخرين أن يطعنوا في نزاهتها وعدالتها؟ أوليس القضاء مجبراً على القبول بالطعن وإلغاء مفاعيل الانتخابات بسبب انعدام التكافؤ؟

مسألة الانتخابات النيابية تشهد اليوم مخاضاً عنيفاً، يبدأ بصفيحة البنزين والاصطفاف في الطابور، ولا ينتهي على طاولة المفاوضات في فيينا وصنّاع القرار في واشنطن وطهران. ولا شيء مستبعداً.