جاء في “الراي الكويتية”:
لم تَعُدْ أوساطٌ واسعة الاطلاع في بيروت تقارب «العصفَ الاقتصادي» لـ «الإعصار» الأوكراني فقط من زاوية انعكاساته المعيشية المدمّرة على «بلاد الأرز» كما العالم، إذ تتصاعد المخاوف من تشظياتٍ «فوضوية» للاضطرابات الاجتماعية التي «تتراكم» في الأفق اللبناني يُخشى أن تصيب الواقعَ السياسي وتعرّض استحقاقاته المفصلية، بدءاً من انتخابات 15 أيار المقبل، لمخاطر كبرى سواء كنتيجة تلقائية لأي غضبةٍ شعبيةٍ تنفجر على الأرض أو بفعل محاولاتٍ داخليةٍ لاستثمارِ الإرباكات الأكيدة التي تطل برأسها تباعاً على صعيد الأمن الغذائي للدفع نحو خياراتٍ «ناسفة» لـ «نيابية 2022» ولو من باب «تأجيل الضرورة».
وإذ تزخر الصحفُ الغربيةُ بتقارير عن «سوابق» شكّلت فيها أزماتُ ارتفاع أسعار القمح والحبوب «شرارةً» لاحتجاجاتٍ في عشرات الدول في 2007 و 2008 وأحد مسببات انتفاضات الربيع العربي (بدءاً من اواخر 2010)، فإن «التسونامي الاقتصادي» الذي يُنْذر بأن تهتزّ معه الأرض تحت أقدام العالم، يشي بأن يتلقى لبنان موجاته العاتية بلا أي دروع واقية بعدما أفقده الانهيار الشامل الذي يتدحرج في قلبه منذ عامين كل «بواليص التأمين» المالية – الاقتصادية – النقدية – المصرفية – المعيشية، وسيكون مع «عاصفة النار» الأوكرانية في مواجهة تحدٍّ مصيري للإبقاء على «شريان» الاستيراد بالدولار المتآكل في احتياطي مصرف لبنان والذي سيكون المطلوب توفير كميات أكبر منه لتغطية ارتفاع التكاليف في الأسعار كما الشحن (للغذاء والمحروقات) نتيجة اختلال سلسلة الإمداد من روسيا وأوكرانيا والحركة عبر البحر الأسود.
ولأن لبنان الرسمي جاء «متأخّراً» إلى محاولة تَدارُك ارتداداتِ غزو أوكرانيا على أمنه الغذائي الذي يقف أصلاً على حافة الاهتزاز بفعل الانهيار المالي الشامل، فإن الخشية الكبرى من أن يكون «القطار فات» بيروت التي بدأت تتلقى «صدمات» الحَدَث الأوكراني قفزاتٍ كبيرة في أسعار المحروقات «المشتعلة» أساساً، ومجموعة سلع مثل الزيوت والحبوب والسكر التي أخذت تُفقد، إضافة إلى اتساع رقعة القطاعات المتأثرة بهذه الحلقة اللاهبة وكان آخرها الدواجن واللحوم والحليب في ضوء ارتفاع أسعار الأعلاف الحيوانية التي تستورد «بلاد الأرز» غالبية كمياتها من روسيا.
وفي حين بات التحذير من «مجاعة» معلَناً في معرض التأكيد على ضرورة توفير بدائل لاستيراد القمح (أكثر من 70 في المئة كان لبنان يستوردها من اوكرانيا) الذي بدأت السلطات بتقنين استخدام الموجود منه (يكفي لنحو 45 يوماً)، فإن القلق يتعاظم من أن توفير أسواق بديلة (مثل الولايات المتحدة أو كندا) سيتطلب نحو 4 أشهر إذا تأمن التمويل، ما يعني فجوةً لأكثر من شهرين قد تكون مفتوحة على كل الاحتقانات الشعبية التي يغذّيها في الوقت نفسه التلكؤ الفاضح عن حجْز كميات استباقياً من الزيوت والحبوب والسكر قبل أن «تقفل» عليها دول التصدير أو تذهب لبلدان أخرى، والأهمّ التوقعات بأن تصبح أسعار المحروقات بلا سقوفٍ ولو تم ضمان استمرار استيرادها الذي يتطلّب آلياتٍ مرنة من «المركزي» الذي ما زال يموّل من احتياطيه 85 في المئة من تكلفتها.
وفيما تشي مختلف هذه «الصواعق» بأن لبنان يدخل «حقل ألغام» مخيفاً، لم يكن عابراً أن سيناريواتٍ عدة يجري تداوُلها عن إمكان أن تطيح الحرب على أوكرانيا ومفاعيلها المتمدّدة بالانتخابات النيابية، أكان تحت عنوان توقُّع أن تتحوّل أكلاف انتقال المواطنين إلى مناطقهم للاقتراع شبه مستحيلة على غالبية اللبنانيين، أو أن تفرض الاضطرابات المعيشية المرتقبة نفسَها على الجميع بحيث يتحول الاستحقاق النيابي ثانوياً أمامها، خصوصاً في ظل التسريبات أيضاً عن جمودٍ أصاب ملف استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سورية ما يُنْذِر بتعميق أزمة انقطاع التيار على وقع ارتفاع مُرْعب في سعر المازوت وتالياً في تكلفة الاشتراكات في مولدات الأحياء.
ورغم أن البعض يتعاطى مع هذه السيناريوات على أنها بمثابة «بالونات اختبار» وجس نبض حيال مدى قابلية التسويق الخارجي لأي إرجاء للانتخابات التي يتهيّبها أكثر من طرف داخلي بينهم «التيار الوطني الحر»، فإن أوساطاً سياسية ترى أن استحقاق 15 أيار يبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات سواء لجهة حصوله بموعده أو إرجائه «تقنياً» بحجة مثلاً إنشاء الميغاسنتر التي يصرّ عليها فريق عون، أو تطييره لربْطه بالانتخابات الرئاسية فيجري بتّهما في «سلّة واحدة» بعد أن تكون ملامح ما بعد الانفجار الأوكراني تبلورت، لا سيما في ظلّ تَشابُكه مع أزمات المنطقة وحسابات اللاعبين الاقليميين والتوقعات بتحويل أوكرانياً رمالاً متحركة لروسيا.