كتب زياد سامي عيتاني في “اللواء”:
مع كلّ إستحقاق إنتخابي، تعيش بيروت حالة من التهافت من قبل الساعين والطامحين للترشّح عن مقاعدها النيابيّة (وهذا حقهم المكفول دستورياً)، لكن العشوائية التشتتية الهزيلة لمرشحي الصدفة الفاقدين لأدنى المقومات الجدية، تجعل من بيروت مشاعاً إنتخابياً سائباً لمن يحاول البحث عن شهرة وظهور، ليذيع صيته بين الأوساط الشعبية، محدثين فوضى وإضطراباً، لا يعدو كونه ضوضاءاً إنتخابياً، يشوّه ويزعزع جدية وأهمية الإستحقاق الإنتخابي، كمحطة ديمقراطية لتختار بيروت من هو جدير بتمثيلها، ويتمتع بالكفاءة السياسية والتشريعية والرقابية، ليكون خير مُعبّر عن قيمها ومبادئها وثوابتها الوطنية والعروبية…
ما هو ملاحظ وسط هذه الزحمة الفوضوية، التي تشهدها بيروت من قبل الطامحين المتسارعين طمعاً بالإنضمام إلى أيّ لائحة من اللوائح الخالية من أيّ مضمون رؤيوي جوهري، التي يتمّ تشكيلها بشكل بازارات من مرشحين لا تجمع بينهم أيّ توجهات أو مبادئ سياسية مشتركة، ما عدا التشابه والتطابق في البحث عن أدوار لهم، تلبي أطماعهم الوصولية والإنتهازية!!!
الخطورة في الموضوع أنه لم يطرح أغلب المرشحين، باستثناء بعض الحزبيين وناشطي المجتمع المدني الجديين برنامجاً وطنياً إنقاذياً متكاملاً، من شأنه أن يشكل خارطة طريق وخطة عمل تنفيذية لإنتشال لبنان من الإنهيار الكبير وإستعادة السيادة المخطوفة ومواجهة التحديات الوجودية التي تهدّد لبنان الوطن والكيان في ظل التحولات والمتغيرات المصيرية في المنطقة، التي لن يكون لبنان بمنأى عنها!!!
فجلّ ما يطرحه المرشحون هو ترداد للشعارات «الكليشيهات» المنمقة، التي باتت فاقدة لصلاحياتها، وغير مستوفية لشروط ومقتضيات المرحلة، والتي لم تعد قادرة على التسلل إلى عقول الناس وقناعاتهم، ولا أن تشكّل قوة تأثير وإقناع، من شأنها خلق حالة إندفاعية «دينامية» إنتخابية قادرة على خرق الجدار البيروتي!!!
هذه الخفة والسطحية في التعاطي مع الإنتخابات المرتقبة على مستوى العاصمة، ستزيد من حالة التخبّط والإرباك، وستعمّق الإشكاليات والصراعات التنافسة على المصالح وليس الصالح العام، مما سيؤدي إلى زيادة منسوب الإحباط واليأس و«القرف» عند البيروتيين، مما سيدفعهم حتماً ودون أدنى شك إلى التراخي والتواني الأقرب إلى العزوف عن المشاركة بعملية الإقتراع، مما سيعمّق من جرح بيروت من خلال إيصال نواب عنها من خارج بيئتها المجتمعية عنوة، لتغيير هويتها وتشويه تاريخها ووجهتها السياسية-الوطنية!!!
إزاء هذا الواقع، المطلوب صحوة بيروتية عارمة على الصعيدين النخبوي والشعبي، معطوفة على وعي شامل، والعمل سريعاً على إيجاد إطار مرجعي وازن وموثوق، يكون شاملاً وجامعاً لكلّ مكوناتها وشرائحها الإجتماعية والسياسية والمناطقية، يحدد المرتكزات الأساسية المطلوب الإلتزام بها والعمل بمقتضاها على صعيد الإنتخابي، بما ينسجم مع توجهاتها وقناعتها الوطنية والسياسية، لترشيد وضبط الحركة الإنتخابية، وإيقاف حالة الفلتان، ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية، تمهيداً للمساهة في تظهير ودعم لائحة أو أكثر ممن يستحقون شرف تمثيل بيروت في الندوة البرلمانية، على قاعدة المنافسة الشريفة، بعيداً عن الأنانيات والمصالح الضيقة، بهدف تأمين حضور فاعل ومؤثر لبيروت «عاصمة القرار السياسي اللبناني» في المجلس النيابي القادم، بما ينسجم مع حجمها ومكانتها والكياني والميثاقي على صعيد الوطن بأسره، حتى لا تضيع بيروت، ولا تفقد دورها التاريخي الضامن للبنان الرسالة والحضارة…