كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
إقتحم الـ «ميغاسنتر» الملف الانتخابي، على وقع اتهامات متبادلة حول حقيقة الموقف منه، ما أدّى إلى تحويله من إضافة إصلاحية الى مشكلة مستجدة، وضعت الانتخابات النيابية برمتها في مهبّ الأخذ والردّ.
يستمر اللعب أو العبث على حافة الاستحقاق الانتخابي الرفيعة، وبالتالي، فإنّ أي دعسة ناقصة يمكن أن تفضي الى شطب أيار من روزنامة المواعيد الدستورية والتدحرج نحو المجهول.
وكما انّ أياً من القوى السياسية لا يتجرأ على المطالبة جهاراً بإرجاء الانتخابات، علماً انّ بعضها يضمر غير ما يعلن، هكذا أيضاً بالنسبة إلى الـ»ميغاسنتر» الذي يشدّد الجميع على أهميته وضرورته، لكن ومع ذلك لا توافق بعد على وجوب الشروع في استحداثه قبل حلول موعد الاستحقاق.
وليس مفهوماً لماذا لم يتمّ أساساً البحث مبكراً في مشروع الـ»ميغاسنتر» وإقراره بتروٍ، بدل ان تتمّ مناقشته في عنق الزجاجة، تحت ضغط المِهل الدستورية، خصوصاً انّ المواقف المعلنة حياله تعكس ظاهرياً إجماعاً، عليه في اعتباره نقلة اصلاحية، الّا إذا كانت النيات المستترة تخفي غير ما يطفو على السطح.
ولعل الـ»ميغاسنتر»، الذي يعني الاقتراع في مكان السكن بدل مكان القيد، بات الآن ملحّاً اكثر من أي وقت مضى، ربطاً بالارتفاع الهائل في اسعار المحروقات، والذي سيرتب كلفة باهظة على انتقال الناخب من حيث يقيم الى حيث يجب أن يقترع وفقاً للآلية الحالية. واستطراداً، فإنّ عدم تعديل هذه الآلية سيفضي تلقائياً الى انخفاض نسبة التصويت، لأنّ الأرجح انّ شريحة من المواطنين المنهكين معيشياً واقتصادياً، ستعتبر انّ هذه اللائحة او تلك لا تساوي ثمن صفيحة البنزين!
من هنا، فإنّ التدقيق قليلاً في المسألة، يُبيّن انّ الـ»ميغاسنتر» يشكّل مصلحة ليس فقط للناخبين الذين لا طاقة لهم على تحمّل كلفة التنقل، وإنما أيضاً للأحزاب التي ستوفر على ميزانياتها أعباء تغطية أكلاف النقليات ومتمماتها، كما كان يفعل معظمها قبلاً لاستمالة اكبر عدد ممكن من المقترعين، علماً انّ طبيعة النظام الانتخابي النسبي المعتمد حالياً، تحول اصلاً دون إمكان التحكّم بتصويت المقترع الذي اصبح ملزماً بوضع لائحة كاملة ومطبوعة سلفاً في صندوق الاقتراع، خلافاً لما كان يحصل في ظل النظام الاكثري ولوائحه المشرّعة، حيث يمكن لهذه الجهة السياسية او تلك، ان تؤثر في تحديد وجهة تصويت من هو مستعد لبيع صوته مقابل مال او خدمات، وان تتأكّد لاحقاً مما إذا كان قد التزم بالاقتراع للائحة التي أُعطيت له والمرفقة في كثير من الأحيان بعلامات فارقة.
وانطلاقاً من هذا التعديل في «قواعد اللعبة» أصبح بمقدور الناخب، بموجب القانون الحالي، ان يقبض المال في يد ويضع باليد أخرى لائحة مضادة من دون أن يتمكن الراشي من ضبطه.
وبناءً على هذه الحقائق، تلفت اوساط سياسية خبيرة في الشأن الانتخابي، إلى انّ الأحزاب لم تعد في كل الأحوال قادرة على ضبط سلوك المقترع وضمانه خلف الستارة، «ولذلك لا يجب أن تكون متحسّسة حيال الـ «ميغاسنتر» الذي ربما لم يكن ملائماً لها في ايام «الاكثري»، وليس راهناً».
وتؤكّد الاوساط، انّ من شأن اعتماد «الميغاسنتر» ان يحقق الإيجابيات الآتية:
– تخفيف كلفة «الحق الديموقراطي» على الناخبين الذين بات اغلبهم تحت خط الفقر.
– رفع منسوب الاقتراع حُكماً.
– إراحة المرشحين من عبء تأمين «بدل النقل» لجزء من المقترعين.
– تقليص المشكلات الإدارية واللوجستية التي تواكب العملية الانتخابية، كونه يختصر مراكز الاقتراع بتسعة (عدد مقار الميغاسنتر).
وتؤكّد الاوساط، انّ بالإمكان إنجاز الـ»ميغاستتر» في المدة الفاصلة عن تاريخ إجراء الانتخابات في أيار المقبل، إن توافرت الإرادة السياسية، مشيرة الى انّ «المؤسف هو انّ هذا المشروع الإصلاحي تحوّل مادة إضافية للتجاذب السياسي، فخرج عن إطاره الأصلي ودخل في معمعة النكايات والكيديات».
وضمن هذا السياق، تلاحظ الأوساط انّ «هناك من بادر الى وضع مسألة الـ»ميغاسنتر» في إطار سعي «التيار الوطني الحر» الى تأجيل الانتخابات، للتهرّب من تسديد فاتورتها السياسية والشعبية التي ستكون باهظة عليه، بينما يذهب آخرون الى اتهام خصوم التيار بأنّهم يحاولون تعطيل الـ «ميغاسنتر» على رغم جدواه الإصلاحية، فقط من باب النكاية بالنائب جبران باسيل، ولئلا يبدو تطبيق هذا المشروع الآن إنجازاً أو نصراً له، قد يستفيد منه في صناديق الاقتراع، بعدما ظهر أخيراً أنّه من أشدّ المُلحّين عليه والمطالبين به».
وتشدّد الاوساط على وجوب «عزل مبدأ الـ»ميغاسنتر» عن المؤثرات السياسية، ومقاربته من زاوية الحاجة إليه لتفعيل العملية الانتخابية وتسهيلها».