كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
لم تتبلور الترشيحات الى الانتخابات النيابية المقبلة بعد على رغم أنّ مهلة الترشّح تنتهي مطلع الأسبوع المقبل في 15 آذار الجاري. وإذ تعلو أصوات شيعية معارضة لـ«حزب الله» لم تبرز أي لائحة بعد «تقضّ مضجعه» في أي من مناطق نفوذه. هذا في وقتٍ يركّز «حزب الله» خطابه ويحضّ جمهوره وبيئته على ضرورة الإقتراع والمشاركة الكثيفة في الانتخابات في أيار المقبل، لتثبيت شرعيته النيابية أولاً والحصول مع حركة «أمل» على المقاعد النيابية الـ27 كلها المخصصة للطائفة الشيعية من دون تسجيل أي خرق، «إذ انّنا في حاجة الى كلّ مقعد شيعي»، ثمّ تأمين الغالبية النيابية مع حلفائه.
في بعلبك – الهرمل، كاد «الثنائي الشيعي» ان يخسر مقعداً نيابياً شيعياً في انتخابات 2018، ويُنتظر إعلان لائحة معارضة له في هذه الدائرة منبثقة من «قوى الثورة». وكان أُطلق الأسبوع الماضي «ائتلاف قوى التغيير في بعلبك – الهرمل» لكن من دون إعلان لائحة انتخابية. كذلك في دوائر الجنوب، حيث كان لـ«الثوار» تحركات بارزة مع انطلاق «ثورة تشرين 2019»، ويُرتقب إعلان لائحة مناوئة لـ»الثنائي». وفي دوائر أخرى سيكون هناك مرشحون شيعة على لوائح أفرقاء وأحزاب معارضين لـ«الحزب» بمعزل عن «مرشحي الثورة»، كدائرة كسروان – جبيل على سبيل المثال، حيث سُجّل الخرق الوحيد شيعياً عام 2018، فخسر مرشح «حزب الله» لعدم تأمين لائحته الحاصل الانتخابي المطلوب على رغم أنّه حاز غالبية أصوات الشيعة، بحيث حصل على نحو 9800 صوت من أصل 11 ألف ناخب شيعي. وفاز حينها النائب الراحل مصطفى الحسيني الذي كان مرشحاً ضمن لائحة تضمّ النائب السابق فارس سعيد والنائب فريد الخازن، إلّا أنّ الحسيني كان قريباً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ولم يخرج من تحت عباءة «الثنائي». أمّا في هذه الدورة الانتخابية فـ«لا مزح» لدى «حزب الله» الذي أعلن مرشحه الحزبي رائد برو في هذه الدائرة وفرضه على «التيار الوطني الحر» الذي رفض عام 2018 ضمّ مرشحه الى لائحته.
يخوض «حزب الله» الانتخابات النيابية المقبلة بأعلى سقف ويربطها بوجوده وسلاحه، وبالتالي وجود الشيعة ودورهم. ويقول لجمهوره: «إمّا ان نحمي أنفسنا عبر المقاعد النيابية، أو انّ كلّ صوت ضدنا هو ممتنع أو خنجر أميركي – اسرائيلي – سعودي». ووصل رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» السيد إبراهيم أمين السيد الى توصيف الانتخابات على أنّها «بمثابة حرب تموز سياسية، لأنّهم يريدون سلاحنا ومقاومتنا ومجتمعنا لكي تكون الكلمة في بلدنا لإسرائيل وأميركا».
وإذ يرى البعض أنّ هناك إمكانية لتحقيق خرق انتخابي شيعياً وكسر تمثيل «الثنائي» الحصري للطائفة إنطلاقاً من النقمة الشيعية كما كلّ المناطق جرّاء الوضع الجهنمي الذي يعيشه اللبنانيون جميعاً، ومن بروز شخصيات شيعية معارضة، فضلاً عن قانون الانتخاب والحسابات والتحالفات ونسبة الإقبال على الاقتراع، تعتبر جهات سياسية أخرى، وعلى رغم من أنّها معارضة لـ«حزب الله»، «أنّه في لحظة خَوض «الحزب» الانتخابات، توضع عنقه على طاولة المفاوضات (مفاوضات فيينا)، وليس الوقت الآن الذي يسمح لـ«الحزب» بأن يتراخى ويفتح أبواب الديموقراطية على طائفته. وهو يقول للشيعة: إذا ضعفنا تضعفون، والشيعة لن يتركوه لأن لا بديل آخر لهم. إذ إنّ أحداً في لبنان لم يتمكن حتى الآن من إعطاء الشيعي المعترض على الحزب «إمكانية اللجوء الى مكان دافئ ومضمون، وهذا المكان يكون عادةً الدولة. فالشيعي الذي سيتخلّى عن «حزب الله» يريد أن يتوجّه الى الدولة وهي غائبة وغير موجودة، وبالتالي يفضل أن يبقى عند «حزب الله»، فضلاً عن أنّه يعطيه الخدمات اللازمة أكثر ممّا يمكن لـ«الدولة» أن تعطيه».
كذلك هناك وجهة نظر داخل البيئة الشيعية تعتبر أنّ السلاح و«حزب الله» أعطيا للطائفة الشيعية دوراً لم يكن موجوداً قبلهما. إلّا أنّ جهات معارضة تعتبر أنّ «هذه النظرية اصطدمت في الواقع والممارسة بأمور ثلاثة أظهرت أنّها لم تعد الآن قائمة، وهي:
– الأول، أصبح أي مواطن شيعي يريد الحصول على فرصة عمل في الخليج أو في غالبية دول العالم مغضوباً عليه، وصار من الصعب عليه العمل خارج لبنان لأنّه يُعتبر أنّه ينتمي لـ«حزب الله»، ما يشكّل ضرراً على الطائفة، بدليل أنّ لدى «الحزب» مشكلة في تصويت المغتربين، إذ لا يُمكن أي شيعي أن ينظّم حملة انتخابية.
– الثاني، أي رجل أعمال شيعي في الخارج باتت لديه مشكلة، ويُشك فيه على أنّه يُمكن أن يموّل «حزب الله».
ـ الثالث، خيار «حزب الله» الذي كان خيار سلطة وسلاح، أوصل البلد والشيعة الى الانهيار والجوع، وبيئته جاعت تحت عنوان «الاستراتيجيا والايديولوحيا والمقاومة واسرائيل وأميركا»، وهذه الخيارات أوصلت البيئة الشيعية الى حالة تناقضية مع معظم المكونات اللبنانية وأوصلت لبنان الى الفشل.
في المقابل، تؤكد هذه الجهات أنّ «المطروح ليس مشروع غلبة وأنّنا نريد أن نهزم الشيعة في لبنان والمنتصر سيحكم على حسابهم، بل المطلوب تطبيق الدستور، إذ كان هناك مشروع غلبة اسمه «حزب الله» يستقوي بالسلاح وبدوره الإقليمي لتنفيذ سياسات ظهر أنّها أضرّت الطائفة ولم تخدمها». وإذ تشير الى أنّه «في الجمهورية الأولى، إنّ المارونية السياسية التي كانت تُتهم بأنّها نفوذ وسلطة، بَنت مستشفى وجامعة ولبنان سويسرا الشرق وجسر بين الشرق والغرب»، تسأل: «ماذا فعل «حزب الله؟ هذا الدور والسلاح الذي يعطيهم نفوذ وسلطة وأعطى الطائفة الشيعية موقعا متقدّما في المعادلة الوطنية، الى أين أوصلهم؟ إذاً، هذا الموقع أوصلهم الى حالة الكارثة والعزلة ولا يمكنهم العمل في الخارج ورجل الأعمال الشيعي لا يمكنه فتح حساب مصرفي والبيئة في حالة جوع وفقر، فما هو مشروع الغلبة هذا؟».
في المقابل تعتبر جهات معارضة أخرى أنّ «التكليف الشرعي» انتخابياً من الصعب عدم التجاوب معه شيعياً، فضلاً عن أنّ «فائض القوة» لـ«الحزب» في مناطقه يمنع حرية تحرُّك أي معارض وتنظيم حملة انتخابية»، فيما يعوّل كثيرون على خرق الساحة الشيعية حتى لو بنائب واحد معارض لـ«حزب الله» نظراً الى رمزية هذا المقعد. فهل يُمكن تحقيق ذلك، في وقتٍ حدّد «الحزب» أولويته الانتخابية، وهي: 27 مقعدا شيعيا؟