يثير إطالة أمد الحرب في أوكرانيا مخاوف من انفجار أزمة غذائية في عدة بلدان عربية، تستورد عادة الحبوب، وخاصة القمح، حيث لامست أسعاره العالمية الذروة لأول مرة منذ 14 عاما.
وقررت أوكرانيا، يوم الأربعاء، حظر تصدير القمح والشوفان وغيرهما من المواد الغذائية الأساسية التي تعتبر ضرورية لإمدادات الغذاء العالمية؛ كما حظرت روسيا تصدير القمح ونحو 200 سلعة أخرى.
وتشير الأرقام إلى أن الدول العربية بشكل عام، تحصل على ما نسبته 25 في المائة من صادرات القمح العالمية، فيما تستورد مجتمعة 60 في المائة من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا؛ نظرا لسعرها المنخفض في البلدين، إضافة إلى فرنسا ورومانيا.
ودول شمال أفريقيا وبينها المغرب وتونس والجزائر من أكبر مستوردي القمح، حيث يعتمد المغرب على روسيا في توفير 10.5 في المائة من احتياجاته من القمح، في حين يحصل من أوكرانيا على نسبة 19.5 في المائة، أما تونس فتحصل على نصف وارداتها من القمح تقريبا من أوكرانيا.
تعاني تونس من عجز في الموازنة المالية لعام 2022 قدر بـ9.3 مليار دينار، فيما بلغ إجمالي ديونها 114 مليار دينار وهي نسبة مديونية غير مسبوقة للبلاد.
ويبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 مليون طن بين 1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب والقمح اللّين، ومليون طن من الشعير، وفقا لديوان الحبوب التابع للحكومة.
وعلى إثر الأزمة المالية في البلاد، رفضت البواخر في كانون الأول الماضي، تفريغ حمولتها من القمح لعدم دفع ثمنها، حسب إعلام محلي.
وتستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، ولديها مخزون يكفي حتى يونيو المقبل، كما أكد عبد الحليم قاسمي، من وزارة الزراعة التونسية.
ويقول المحلل المالي التونسي نادر حداد: إن العديد من الدول العربية تختار استيراد القمح الروسي والأوكراني؛ نظرا لـ”سعره المنخفض”.
ويضيف حداد: “هذا السعر سيرتفع كثيرا في حال التوجه إلى الولايات المتحدة أو كندا وأيضا بلدان أميركا اللاتينية لشرائه؛ بسبب بعد المسافة وارتفاع سعر النفط ما ينعكس على تكلفة نقل البضائع بين الدول”.
ويردف: “هذا الوضع ستتضرر منه حتى الدول الغنية؛ حيث سترتفع فيها الأسعار، ما يمس بالسياسات المالية لحكوماتها المتعثرة أصلا منذ بدء أزمة كورونا”.
والنزاع بين روسيا وأوكرانيا سيؤدي تلقائيا لوقف الحركة التجارية مع الخارج؛ بسبب الحرب على الأراضي الأوكرانية ولفرض عقوبات على الصادرات الروسية.
وستعقّد هذه الحرب، لا سيما إذا طال أمدها، مهمة الكثير من الأسر في مصر ولبنان واليمن وتونس والمغرب وربما دول عربية أخرى في توفير رغيف الخبز على مائدة الطعام، بحسب الخبراء.
وأرخت الحرب في أوكرانيا بظلالها على تونس التي تشهد منذ أسابيع أزمة في الطحين والسكر، ولمنع تفاقمها قرر الرئيس التونسي قيس سعيّد شن “حرب دون هوادة” ضد محتكري المواد الغذائية والأساسية في الأسواق المحلية.
وحذر سعيّد الذي يعد مرسوما رئاسيا لمواجهة هذه الظاهرة يتضمن عقوبات تصل إلى السجن، من أنها “ضرب للسلم الاجتماعي والأمن في المجتمع”.
ومعلقا يقول عضو الاتحاد التونسي محمد رجايبية: إن تونس من بين أكبر البلدان المستوردة للحبوب، مضيفا أن حاجيات البلاد من هذه المادة الحيوية تتراوح بين 30 و32 مليون قنطار سنويا لا تنتج تونس منها غير 10 ملايين قنطار وفق معدل إنتاج المواسم الأخيرة.
ويضيف رجايبية لموقع “سكاي نيوز عربية” أن تونس تستورد اليوم قرابة 70% من حاجياتها من الحبوب و90% من حاجيات البلاد من مادة القمح اللين، مطالبا الحكومة بتدابير واسعة لتفادي كارثة ارتفاع الأسعار ونقص مخزون القمح في البلاد.
والمغرب من أبرز مستوردي القمح من أوكرانيا إلى جانب الذرة، والمنتجات شبه المصنعة من الحديد أو الفولاذ، والمواد البلاستيكية وغيرها، فيما يصدر في المقابل إلى هذا البلد الواقع شرق أوروبا الأسمدة الطبيعية والكيميائية والأسماك الطازجة والمملحة والمجففة والمدخنة وغيرها.
وحتى قبل تعطل الصادرات الأوكرانية والروسية، كان المغرب قال إن محصوله من الحبوب هذا العام سيتضرر بشدة بسبب الجفاف.
ويعتبر القمح المستورد من أوكرانيا أبرز منتج في واردات المغرب بمبلغ 1.1 مليار درهم، كما يستورد أكثر من 20 في المائة من حاجياته من القمح والحبوب من روسيا وأوكرانيا، بحسب تقديرات الخبراء.
وقال رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن بالمغرب، يوم الجمعة: إن البلاد لديها مخزونات من القمح تغطي استهلاكها لخمسة أشهر بعد أن تسلمت معظم طلبياتها من أوكرانيا قبل بدء الصراع هناك.
غير أن رئيس الفيدرالية عبد القادر العلوي، يضيف أن المملكة تسلمت نصف مليون طن من القمح اللين الأوكراني من أصل طلبية حجمها 0.6 مليون طن تغطي الفترة من نوفمبر إلى فبراير، وستسعى للحصول على مزيد من الإمدادات من مناطق أخرى.
ويقول المغرب إنه يتوقع زيادة الإنفاق على دعم القمح اللين 15 في المائة عن العام الماضي إلى 3.8 مليار درهم (410 ملايين دولار).
ويمثل القمح الأوكراني والروسي 25 في المائة و11 في المائة من واردات المغرب من القمح على الترتيب، فيما تتصدر فرنسا قائمة الموردين.
ويضيف العلوي أن أنظار المتعاملين المغاربة تتجه إلى القمح الفرنسي والبرازيلي والأرجنتيني والبولندي والألماني والليتواني، بحسب صحف محلية.
ويردف أن طاقة تخزين القمح تقدر بخمسة ملايين طن وإن الحكومة تشجع المستثمرين على بناء المزيد من الصوامع ومستودعات التخزين.
وتهدد أسوأ موجة جفاف في المغرب منذ 30 عاما محصول هذا العام، ما جعل المتعاملين يتوقعون حملة استيراد ضخمة من حيث القيمة والحجم هذا العام.
وفي الموسم الماضي، كان المحصول المحلي البالغ 10.3 مليون طن أكبر من ثلاثة أمثال ما كان عليه في العام السابق.
ومع ذلك، ارتفعت واردات المغرب من القمح اللين 8.7 في المائة إلى 3.97 مليون طن.
وفي الجزائر، ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا وخامس مستورد للحبوب في العالم، يكفي المخزون ستة أشهر على الأقل.
ففي نوفمبر الماضي، أعلن الديوان المهني للحبوب في الجزائر شراء ما لا يقل عن 600 ألف طن من قمح الطحين في مناقصة دولية
كما أعلن شراء ما بين 600 ألف و700 ألف طن من قمح الطحين من مناشئ خيارية في مناقصة عالمية في وقت متأخر الأربعاء.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن وزير الزراعة محمد عبد الحفيظ هني، قوله، الأحد: إن لدى الجزائر مخزونا كافيا من الحبوب حتى نهاية العام.
وقال الوزير إن “الجزائر اتخذت كافة احتياطاتها لضمان تغطية السوق الوطنية وتلبية كافة احتياجات المواطنين من الحبوب”، مضيفا أنه توجد ضغوط كبيرة في سوق الحبوب العالمية حاليا.
وتبلغ واردات الجزائر السنوية من الحبوب بما فيها القمح بنوعيه نحو 7 ملايين طن، بفاتورة تفوق 2 مليار دولار سنوياً.
فيما يقدر معدل الإنتاج المحلي السنوي من القمح الصلب نحو 3.17 مليون طن، والمساحات المزروعة 8.6 مليون هكتار.
ومنذ نوفمبر الماضي، وضعت الجزائر عدة شروط صارمة لاستيراد القمح وتنويع الموردين؛ بهدف “كسر احتكار القمح الفرنسي للسوق”، وفقا لوسائل الإعلام الجزائرية.
وللمرة الأولى منذ 5 سنوات استأنفت الجزائر في يونيو 2021 استيراد القمح من روسيا بعد أن تسلمت 28 ألف طن.
وتعد الجزائر ثاني أكبر مستورد للقمح الأرجنتيني بمعدل استيراد سنوي يفوق 900 ألف طن منه بقيمة 160 مليون دولار.