استفاق سكان إربيل والعراق والشرق الأوسط ليل السبت- الأحد على خبر القصف الصاروخي الإيراني. والمرحلة المقبلة لا تبشّر بالخير لناحية أن الانزلاق نحو مواجهات أكثر توسعاً بعد 24 شباط الماضي، تاريخ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، باتت أمراً شبه حتمي في ظل الانقسام الدولي المخيف.
التطور النوعي في الاستهداف الإيراني لإربيل، رداً على الغارات الإسرائيلية في سوريا والتي أدّت إلى مقتل ضابطين من الحرس الثوري الإيراني، يكمن أولاً في التبني الإيراني الرسمي السريع للقصف سواء عبر التلفزيون الرسمي أو عبر بيان الحرس الثوري، كما في التأكيد أن القصف تم بصواريخ بالستية دقيقة وبعيدة المدى وثانياً في إصرار الإيرانيين على التسريب بأن الاستهداف كان لمقر للموساد في إربيل حيث تم إيقاع قتلى وجرحى في حين أن الوقائع تُظهر أن مبنى جديد للقنصلية الأميركية كان الهدف.
بهذا المعنى تنقل إيران المواجهة مع إسرائيل إلى مستوى مختلف بعد الامتناع السابق للحرس الثوري عن الرد على مئات الغارات التي استهدفته في الداخل السوري كما في الداخل الإيراني. وبالتالي يصبح السؤال ما الذي تغيّر لتجرؤ طهران على الرد؟ وكيف ستتصرّف إسرائيل بعد هذا الرد؟
للإجابة عن السؤال عمّا تغيّر، لا بد من ربط ما جرى بتطورات الحرب في أوكرانيا والقرار الروسي الحاسم بالذهاب في المواجهة حتى النهاية، ما دفعه إلى الطلب المباشر من إيران بوقف المحادثات النووية في فيينا والتي كانت اقتربت من التوقيع على الاتفاق الجديد، كما بوقف أي تسهيلات وأوراق للأميركيين، ما انعكس عرقلة واضحة من جانب “حزب الله” لملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل بعدما كانت هذه المفاوضات حققت قفزات نوعية في الأسابيع الأخيرة تمثلت بتراجع لبنان الرسمي، وبغطاء ضمني من “حزب الله” عن الخط 29 والعودة إلى الخط 23. كما أن التطورات شملت تجنيد بوتين لمرتزقة سوريين ومن الميليشيات الإيرانية وبينها “حزب الله” للقتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا.
كل ما سبق يوحي بأن إيران قررت اعتماد النموذج الروسي في غزو أوكرانيا وسط تخاذل الولايات المتحدة وحلف شمالي الأطلسي والمجتمع الغربي ككل في القيام بأي رد فعل. هكذا تعتبر إيران أنها تملك الفرصة اليوم لقلب المعادلات في العراق الذي انتفض ديمقراطياً عليها في آخر انتخابات نيابية، كما تراهن على ضعف إدارة بايدن وقرارها بعدم خوض أي مواجهة، ما سيسمح للإيرانيين بفرض عنجهيتهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن لضمان سيطرتهم، كما أن ذلك سيمهّد الأجواء لتوسيع الاعتداءات الإيرانية باتجاه دول الخليج العربي وإسرائيل لترهيبها على قاعدة أن أحداً لن يجرؤ على الرد.
وبهذا المعنى يمكن توقّع توسّع الجبهات الساخنة في المنطقة على أكثر من محور قد لا يكون الجنوب اللبناني بعيداً عنها، لكن فتح مثل هذه الجبهات قد يثير الشهية الإسرائيلية لتنفيذ العملية التي كان الجيش الإسرائيلي يتحضّر لها منذ أشهر وهي ضرب المفاعلات النووية الإيرانية لعدم السماح لطهران بالمضي قدماً في مشروعها النووي بعد انسحابها من فيينا مستغلة تركيز الاهتمام الدولي بالحرب الأوكرانية، مع ما تعني مثل هذه العملية من فتح جبهة الجنوب اللبناني على مصراعيها.
هكذا تبدو صورة الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة حافلة إقليمياً مع انعكاسات قد تكون خطرة على الساحة اللبنانية، وخصوصاً أن أن لبنان يُفترض أن يشهد انتخابات نيابية في 15 أيار المقبل، لكن إجراء هذه الانتخابات قد يصبح عندها في خطر سواء إذا اندلعت مواجهات في المنطقة وسواء إذا قررت إيران العبث في الداخل اللبناني عبر “حزب الله”.
أما في لبنان فلا يزال ثمة من يحدثنا عن مقاعد وانتخابات وحواصل، وثمة من يخبرنا عن مشاريع وكهرباء وسدود، في حين أن المرحلة دمّرت منطق الحياد و”حزب الله” بات يصرّ على إلحاق لبنان بالمحور الروسي- الإيراني مع ما يعنيه ذلك من تحويل لبنان صندوق بريد إضافي وساحة مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل أسوأ انهيار مالي واقتصادي يشهده لبنان منذ نشأته!