Site icon IMLebanon

14 آذار… والعبور نحو المجهول

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

تُطفئ «14 آذار» شمعتها السابعة عشرة، وسط إنفراط ما تبقى من قواها الحيّة سياسياً، ما بين إنكفاءٍ وتعليقٍ للعمل السياسي وصولاً إلى الهَجْرِ نحو «17 تشرين»، ليبقى نبض وروحيّة «الثورة» حيين في ما تبقّى من قوىً سياسية تسعى فرادةً إلى رفع عناوين المواجهة المتمادية لهيمنة «حزب الله» وحلفائه على لبنان. ذِكرى هَجَرها قادتها، وفتكت بها الإختلافات السياسية أكثر من آلة القتل والإغتيالات التي طاولت شهداء «الثورة». «الأمانة العامة» التي خلّدت جدرانها صور شهداء الإنتفاضة أقفلت أبوابها. ما تبقّى من «الأُمناء» يتحضرون لإحياء الذكرى كلٌ من موقعه ولا يستسيغهم الإفراط في إستعادة تلك المشهدية التاريخية. فماذا عن المواكبين؟

«المستقبل» كتيار سياسي استعاد مركز «الأمانة العامة لقوى 14 آذار» في الأشرفية منذ العام 2018، أوصد الأبواب، كما «الإنتفاضة»، لصالح «التسوية» التي آلت به إلى جانب العديد من الخيارات السياسية إلى تعليق «العمل السياسي» كما أعلن رئيسه الشيخ سعد الحريري مع حلول الإنتخابات النيابية المقبلة في أيار 2022.

«الحزب التقدمي الإشتراكي» الذي شكل خطاب رئيسه الوزير وليد جنبلاط عصب الإنتفاضة هجر الثورة والذكرى باكراً إثر أحداث 7 أيار و»اتفاق الدوحة» واختار «الوسطية».

«القوات اللبنانية» الأقرب إلى ساحات «14 آذار»، أدّت حساباته السياسية التي رافقت «إتفاق معراب» و»التسوية الرئاسيّة» إلى ابتعاده عن ما تبقى من رفاقٍ رفضوا مجاراته في إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية (تشرين الأول 2016)، ويستعد اليوم رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع لإحياء الذكرى وإطلاق حملة «القوات اللبنانية» الإنتخابية من المقر العام للحزب في معراب.

منسق «الأمانة العامة لقوى 14 آذار» المستمر في رفع شعار «14 آذار قضية شعب» يتحضر أيضاً اليوم (14 آذار) إلى جانب «المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني عن لبنان» الذي يضم كوكبة من الشخصيات البارزة التي عُرِفت بصقور «14 آذار»، من بينهم الوزراء السابقون أحمد فتفت، معين المرعبي، حسن منيمنة، ونائب رئيس تيار المستقبل المستقيل مصطفى علوش والزميل علي حمادة وآخرون، لتقديم مقاربتهم للإنتخابات النيابية عبر جمعية عمومية لـ «المجلس الوطني».

كُثرٌ، ملأوا الشاشات والساحات تمجيداً للإستقلال الثاني وانكفأوا مع انكفاء أحزابهم. «إستقلالٌ» ما كان ليتحقق لو بقيَ مطلباً فئوياً قبل أن يُفَجِّر إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 الحواجز السياسية والطائفية بين اللبنانيين وتتجلى مشهدية الوحدة الوطنية بأبهى حللها عبر «انفجار شعبي مليوني» في «14 آذار» رفضاً لخطاب «حزب الله» (ما عرف لاحقاً بقوى 8 آذار) الداعي إلى شُكر سوريا.

تحلّلت قوى «14 آذار»، لكنّ استفحال «حزب الله» في هيمنته على مؤسسات الدولة يعيدنا حكماً إلى البحث عن معارضيه. شعاراتٌ كثيرةٌ رُفعت بوجه «الحزب» وما زالت تصلح اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، منها «العبور إلى الدولة» و «بوجه وصاية السلاح الساحة أقوى سلاح»، إلّا أنها تبقى شعارات فارغة في غياب «قِوى» تأخذ على عاتقها المطالبة بتحقيقها.

وضوح الخطاب

المطالب الإقتصادية المعيشية سقطت مع «ضياع» ما عُرف بـ «17 تشرين»، ليتضح حسب الناشط السياسي وخبير التواصل إيلي خوري، الذي لعب دوراً محورياً خلال إنطلاقة «14 آذار» ما بين 2005 و 2009، أنّ «النجاح الذي حققته «14 آذار» حينها يعود إلى وضوح خطابها وتحديد بوصلتها السياسيّة التي شكلت منطلقاً لشعاراتها وحملاتها الإعلامية والإعلانية التي رفعت على جميع المنابر والساحات».

نسأل خوري عن دور المجموعات التي لعبت دوراً محورياً في «الكواليس» لإنجاح «الثورة»، يعيدنا عمداً إلى «وضوح الخطاب السياسي المطالِب بمعرفة ومحاسبة المتورطين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان»، مشيراً إلى أن «البعض ظنّ أن التحدي إنتهى في 2005 ليتضح عكس ذلك اليوم، بأن المواجهة ما زالت هي نفسها، وأعمق جرّاء الإختلاف في تحديد عناوين المواجهة وخوف البعض الآخر من المواجهة التي يدّعيها».

وإذ رأى أن «مواجهة المجموعة الحاكمة يكون بأطر متعددة، شدد على أن نجاح أيّ حراكٍ سياسي يكون من خلال تحديد اسباب الخلل والبحث عن كيفية المواجهة، كون التصويب العشوائي على كافة الجبهات لا يؤدي إلى أي نجاحٍ يُذكر».

بدوره، أوضح الزميل والناشط السياسي أيمن جزيني أنّ «14 آذار» كانت لحظة تاريخيّة لاستعادة الوطن هويته السياسية، وساهمت في استخراج العناوين التي أطلقت قبل أن تضمحل أمام المحن والأحداث والوقائع التي فرضها «حزب الله» وحلفاؤه من خلال الإستقواء في خارجٍ ما على الداخل»، وأشار إلى أن «روح «14 آذار» ما زالت مستمرة مع جميع الذين يناضلون من أجل استقلال البلد، وهي تتجلى في كل حالة رفض لأي احتلالٍ كان، وأبرزها اليوم من خلال رفض الإحتلال الإيراني للبلد»، مشدداً على أنّ «جميع الذين راهنوا على التسوية مع «حزب الله» أيقنوا أن الرهان على «لبننة» الحزب رهان خاطئ، وهذا ما بدا جلياً منذ التحالف الرباعي في 2005 وصولاً إلى تعليق الرئيس سعد الحريري و»تيار المستقبل» العمل السياسي.

وإذ لفت إلى أنّه لا يحبذ التحسّر على ذكرى «14 آذار» لأن السياسة من طبيعة عاطفية تصبح قبليّة، شدد على أن «الخطأ التاريخي لفريق «14 آذار» أنها كانت دائماً تبحث عن قواسم مشتركة مع قوى «8 آذار» التي كانت بدورها وعلى الدوام تحاول الإستئثار بالقرار السياسي وقرار الحرب والسلم، بما يخدم تنفيذ مشروعها الأعمق بضرب جوهر النظام الديمقراطي القائم في لبنان، وهذا ما بدا واضحاً منذ 7 أيار 2008، واسئثار «حزب الله» بالسلطة على حساب انكفاء مكونات «14 آذار» وسقوط شعار العبور إلى الدولة، إلى التموضع الطائفي، ليتفرغ «الحزب» بوصفه قوة استئثار إلى تكريس هيمنة مشروعه السياسي وحضوره في كافة مفاصل القرار في الدولة.

جزيني الذي لا يزال يتمسك بروحيّة «الثورة»، أشار إلى أن «ما تبقى من قوى «14 آذار» يحاول ان يتلاقى لاستعادة السيادة ورفع الإحتلال الإيراني عن لبنان، من خلال إعادة تكوين إطار وطني جامع يقوم على الإنتساب إلى البلد بحدوده وشروطه والحفاظ على دوره إنطلاقاً من الشرعية الوطنية والعربية والدولية، بما يضمن تطوير النظام بعيداً عن غلبة عسكرية وأمنية لفريق على آخر، إنما من خلال السعي إلى عودة حزب الله إلى لبنان بشروط اللبنانيين».

وعن استنباط السبل لإعادة التواصل والإتصال بين جمهور «14 آذار»، يؤكد خبير التواصل إيلي خوري أن «جمهور وناس «14 آذار» لم يتغيروا اليوم، إنما تطور وسائل الإتصال والتواصل أدى إلى تدفق الكثير من المعلومات والأخبار المضللة ما يدفعهم إلى المزيد من الضياع في غياب القيادات والخطابات الواضحة لتصويب طرق المواجهة والتعبير، بعيداً عن الحالة المعيشيّة التي دفعت العديد منهم إلى المشاركة في «17 تشرين» جرّاء الأوضاع المأسوية التي يعيشها الجميع»، والتي لم توصل بدورها إلى أي مكان جرّاء غياب القيادات وتشتت الجهود في كيفية التوجه إلى الناس ومخاطبتهم، ما يصعب انتقاء الفكرة أو الرأي والمعلومة الصحيحة من الرأي الخاطئ، للبناء عليها وتطويرها بما يثمر تحقيقاً للأهداف المرجوة».

وعلى أبواب الإنتخابات المقررة في الخامس عشر من أيار المقبل شدد على أنّ «الجميع اليوم «يعدّ كراسي» واحتساب الحواصل الإنتخابية، بعيداً عن المعارك والعناوين الإستراتيجية»، ليستطرد قائلاً: «صراحة.. بيلعّوا النفس».

وعن التغيير الذي تسعى إليه جميع القوى السياسية اليوم، تساءل: «هل تعرف هذه القوى ما هو التغيير الذي نريده؟» ليضيف قائلاً: «القصف العشوائي يمكن أن يصيب بعض الأهداف لكنه لا يحقق الهدف المطلوب»، مؤكداً أن «المصيبة اسمها ممانعة، وأن جميع الجهود التي تقوم على تجاهلها وعدم التصويب عليها تندرج حكماً في خانة إضاعة الوقت والكلام الفارغ». وختم خوري بـ «دعوة اللبنانيين والسياسيين إلى تصويب البوصلة للتخلص من هيمنة «الممانعة» تمهيداً لاستعادة القدرة على بناء البلد، من خلال الإلتقاء في الوسط والمطالبة بتحقيق حياد لبنان وتنفيذ الدستور، كمدخلٍ لحلّ معظم الأمور المرتبطة بالأزمة الإقتصادية المعيشية التي يمر بها لبنان».

وإن كتب لـ «14 آذار» أن تصبح ذكرى، إلا أنّ مشهدية هذا اليوم التاريخي الذي تجلى بوحدة اللبنانيين ووضوح قضيتهم الوطنية العابرة لجميع الحواجز والحسابات الضيقة، تؤكد أن العودة إلى المساحات المشتركة هي الأساس لتحقيق المطالب والإنتصارات الوطنية، بعيداً عن تقوقع بعض الساسة الذين أفشلوا إرادة الشعب ولم يعرفوا حتى اليوم اي لبنان يريدون.