أعلن رئيس “حركة الشعب” نجاح واكيم، في مؤتمر صحافي عقده في مركز الحركة، عدم مشاركته ورفاقه في الحركة في الانتخابات النيابية ترشحا وانتخابا.
وقال واكيم: “يتجه لبنان اليوم لإجراء الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل، وتجمع مختلف الأطراف، الداخلية والخارجية، على الأقل في ما تعلنه، على ضرورة إجراء هذه الانتخابات في موعدها. وهي تتبادل أحيانا الاتهامات بالسعي إلى “تطيير الانتخابات” أو إرجائها ولكن أحدا لا يتحدث عما يريده اللبنانيون من هذه الانتخابات التي تجري وفق قانون خطير، خطير جدا، وعن النتائج التي سوف تسفر عنها، لا على صعيد الأحجام بين هذا الفريق أو ذاك، ولكن الأهم على صعيد النتائج السياسية لهذه الانتخابات وتداعياتها على الصعد كافة، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية”.
وسأل: “هل إن حصول فريق 14 آذار على نائبين أو ثلاثة أو عشرة زيادة عما يحصل عليه الفريق الآخر يشكل حلا لأزمتنا الوطنية الراهنة، وبالمقابل هل إن حصول فريق 8 آذار على نائبين أو ثلاثة أو عشرة زيادة عما يحصل عليه الفريق الآخر يشكل حلا لهذه الأزمة القاتلة؟”.
وقال: “يجمع اللبنانيون، على اختلاف أهوائهم السياسية، على أن هذه الانتخابات سوف تعيد إنتاج الطبقة السياسية عينها التي جرت عليهم وعلى الوطن كل هذه المصائب. ولن يتغير شيء إذا نال هذا الفريق أو ذاك أكثرية ما أو أقلية. وهذا صحيح جدا”.
واضاف: “إذا كانت الأزمة السياسية الراهنة تعود في الأصل إلى عوامل كثيرة ومتشابكة، ضاربة في عمق النظام السياسي، فإن السبب المباشر لها هو الانتخابات الأخيرة التي، وبسبب القانون الذي جرت بموجبه، عمقت الانقسامات الطائفية والمذهبية، وأدت إلى الانهيار الشامل للدولة. انتخابات العام 2018، أدت بالفعل إلى هذا الانهيار الشامل للدولة والمجتمع. أما انتخابات العام 2022، إذا حصلت، وفق قانون الانتخابات عينه فإلى ماذا ستؤدي؟”.
وتابع: “إن قراءة موضوعية عميقة لواقع الصراع في المنطقة، وانعكاساته على لبنان، وكذلك استقراء النتائج وتداعياتها ينذران بأن هذه الانتخابات تشكل الخطوة الأخيرة في الطريق إلى انهيار الوطن. الخطوة الأخيرة في الطريق إلى الحرب الأهلية. أكرر، إلى الحرب الأهلية، التي تطيح بالكيان نفسه، وترسم النهاية المأساوية لهذا الوطن. وعندما يقع المحظور لا يعود مهما أو ذا فائدة أن نعرف من كان مخطئا ومن كان خاطئا. من ارتكب الجريمة عن دراية ووعي، ومن ارتكبها بسبب قصور في الرؤية وحسابات “دكنجية” بعيدة عن أية رؤسة سياسية. لا يعود مهما التفريق بين الذين ارتكبوا الخطأ والذين وقعوا في الخطيئة”.
وأعلن “لشبابنا وشاباتنا الطيبين، الذين يحلمون بالتغيير ويسعون إليه، غير مدركين لحجم الصعوبات التي يفرضها قانون الانتخابات هذا على مساعيهم، وحقيقة الكوابيس التي تتربص بأحلامهم، لهؤلاء أقول: إن الانتخابات الأخيرة التي جرت وفق هذا القانون لم تحدث التغيير الذي كانوا يحلمون به، ولا أي تغيير، بل إنها كانت بمثابة عملية تدوير للنفايات السياسية لم ينتج عنها أي شيء قد يكون له بعض نفع، بل إنها أنتجت نفايات سامة كانت أشد خطرا على وطننا ومجتمعنا وأهلنا من أي انتخابات سابقة. إن الانتخابات القادمة التي سوف تجري وفق هذا القانون هي مرة أخرى عملية تدوير للنفايات السامة التي تفوح منها رائحة الدم والدمار والموت. هذه الانتخابات سوف تمعن في تعميق الانقسامات العمودية، الطائفية والمذهبية، في مجتمع يائس ومحبط، تنعدم فيه أبسط مقومات العيش للغالبية الساحقة من أبنائه، يجتاحه التعصب وتشوه الوعي والجهل، وعليه، على هذا المجتمع المريض الواهن سوف تلقى قضايا ثقيلة ومتفجرة، نسمع عنها كل يوم، ونسمع فوضى الجدالات التي تثيرها بين اللبنانيين، كالدعوة إلى الحياد والفيدرالية والمؤتمر الدولي والـ1559 والـ1701 وسلاح المقاومة و…و… هذه القضايا وغيرها، بالرغم من أهميتها، ليست خطيرة بذاتها، لكنها تصبح خطيرة ومتفجرة عندما تتخذ الانقسامات حيالها طابعا طائفيا ومذهبيا، كما هو حاصل اليوم، ويصير الجدال حولها تقاذفا بحمم الاتهامات، يغيب عنه العقل ويطغى عليه التعصب والجهل”.
واكد واكيم “ان الطريق السليم والآمن للتعاطي مع هذه القضايا، وبصرف النظر عن اختلاف المواقف إزاءها، يبدأ بتغيير طبيعة الانقسامات في مجتمعنا، بين غالبية شعبية كاسحة وطغمة سياسية ـ مالية مجرمة وفاسدة تتحكم بلبنان ومصيره تحت هيمنة القوى الخارجية المتنفذة وصراعاتها في المنطقة المحيطة بلبنان. بين قوى وطنية حديثة تسعى، وبصرف النظر عن الاختلافات السياسية، إلى وحدة وطنية تقوم على وحدة الانتماء للوطن، وقوى طائفية متخلفة لا ترى الوحدة الوطنية إلا عملية تكاذب بين عصبيات مريضة رجعية وأنانية. إن تغيير طبيعة الانقسامات في المجتمع هو بالضبط ما نسعى إليه وما نعمل من أجله. وهو بالضبط ما كانت تعد به انتفاضة 17 تشرين”.
واشار الى “ان عوامل عدة أدت إلى حرف هذه الانتفاضة عن مسارها الوطني وأجهضت النتائج التي كانت مرجوة منها. وأبرز هذه العوامل طغيان المجموعات المراهقة التي تصدرت قيادتها. الانتهازية، وقصور الرؤية لدى العديد من الناشطين في هذه المجموعات ما أفسح المجال واسعا أمام أطراف الطبقة السياسية وعدد من السفارات على رأسها السفارة الأميركية لتتسلل إلى هذا الحراك الرائع وتنحرف به عن مساره الوطني إلى مسارات تخدم مصالحها على حساب الشعب اللبناني”.
وقال: “عندما طرح موضوع الانتخابات النيابية بادرت “حركة الشعب “إلى مناقشة هذا الموضوع من أجل اتخاذ الموقف المناسب في هذه الظروف الخطيرة والمعقدة. كان الهدف الذي نسعى إليه هو بالدرجة الأولى تصحيح الصراع في لبنان بأن يكون بين الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني والطبقة السياسية المسيطرة على الحكم. كان الهدف تغيير شكل الصراع بشأن هذه المسائل وغيرها. من صراع بين عصبيات، يغيب عنه المنطق والعقل وروح المسؤولية الوطنية، إلى صراع بين تيارات فكرية وسياسية يحكمه المنطق والعقل وتعلو فيه المسؤولية الوطنية”.
واضاف: “كانت أمامنا، نظريا، الخيارات الآتية:
1-أن تتشكل لوائح مشتركة في جميع الداوائر من قوى الحراك الشعبي بصرف النظر عن التباينات السياسية في ما بينها، تلتقي في هذه المرحلة على المسائل التالية:
أ-رفض الطائفية وتغيير النظام السياسي.
ب-المواجهة الشاملة مع قوى النظام كلها.
ج-تحرير الدولة، في سياساتها الخارجية والاقتصادية والدفاعية، من الارتهان للخارج.
د-المحاسبة على الفساد واسترداد الأموال المنهوبة من الدولة والشعب.
2- أن تتوحد هذه القوى على موقف واحد بمقاطعة الانتخابات وإسقاط شرعيتها كخطوة أولى على طريق تنفيذ البرنامج المرحلي للجبهة الوطنية، الهادف إلى التغيير السلمي للنظام السياسي وإقامة نظام سياسي وطني حديث. لكن أيا من هذين الخيارين، بالرغم من أهميتهما ووضوح الهدف منهما، لم يكونا قابلين للتحقيق للأساب التي أشرنا إليها، والمتعلقة بغالبية ما يسمى “قوى الحراك” أو “مجموعات الانتفاضة”.
أما على صعيد “الجبهة الوطنية” فقد كان هذان الخياران هما المطروحان للنقاش من أجل التوصل إلى قرار بشأن اعتماد أحدهما”.
واردف: “كان هدف الذين يدعون إلى المشاركة هو تشكيل كتلة نيابية وطنية عابرة للطوائف والمناطق، تشكل إضافة نوعية في اللوحة السياسية المقفلة على عصبيات متخلفة ومتفجرة، على أمل أن تشكل هذه الكتلة، وبصرف النظر عن حجمها، خطوة على طريق تحديث الحياة السياسية في لبنان وإصلاح النظام والتخفيف من حدة الانقسامات الطائفية في مجتمعنا. في الحقيقة لقد بذلنا جهودا مضنية من أجل تحقيق هذا الهدف. حاولنا مع أطراف وأحزاب ومجموعات، يفترض أنها بطبيعتها عابرة للطوائف والمذاهب، ولم ننجح. حاولنا مع قوى فاعلة ومقتدرة، تناهض المشروع الأميركي- الإسرائيلي في لبنان ولم ننجح. حاولنا كثيرا كثيرا ولم ننجح. لذلك لم يبق أمامنا سوى خيار وحيد. في ضوء ما تقدم، قررنا أنا ورفاقي في “حركة الشعب” عدم المشاركة في هذه الانتخابات، ترشحا وانتخابا”.
وقال: “يشهد الله أنه لو كان هدفنا تحقيق مكسب شخصي لكان الأمر ممكنا ومتيسرا. إن أهدافنا الوطنية لا تختصر بكرسي مسوس في برلمان “مسخرة”. وكما قلت لكم قبل 22 سنة، إن قضيتنا الوطنية لا تختصر بمقعد نيابي منصوب فوق جثة وطن. إن موقفنا هذا ليس وليد يأس وإحباط، لكنه تعبير عن تصميمنا على الأهداف الوطنية التي من أجلها قامت “حركة الشعب”. هو تعبير عن العزيمة في خوض الصراع من أجل هذه الأهداف، في الموقع الصحيح وفي الميدان الصحيح. ولنا في رفاقنا وأصدقائنا قوة، هي قوة الضمير وقوة الإيمان. ولنا في زملائنا بالجبهة الوطنية قوة، هي قوة الوعي والإرادة والالتزام الوطني. وسوف ننتصر”.
وختم: “هنا تحضرني كلمة لذلك الرجل العظيم جمال عبد الناصر، الذي نهتدي بفكره ونقتدي بنضاله، عندما قال: “إني أثق بأن أجيالا قادمة سوف تلتفت إلى هذه الفترة وتقول: كانت تلك من أقسى فترات نضالهم، لكنهم كانوا على مستوى المسؤولية، وكانوا الأوفياء بأمانتها”.