IMLebanon

مَن يسبق مَن… الانتخابات أم الانفجار الاجتماعي؟

كتب حسين زلغوط في “اللواء”: 

يبدو أن أصوات الماكينات الانتخابية التي انطلقت في كل الاتجاهات بعدما أقفل باب الترشيح، وتظهَّرت بشكل مكتمل صورة المتصارعين باللوائح، قد طغت على أصوات اللبنانيين الذين يصارعون من أجل البقاء بعدما لف حبل الأزمات المعيشية والاجتماعية على أعناقهم وبالتالي أصبحوا غير قادرين على مواجهة هذه الأزمات التي تشتد يوماً بعد يوم. والغريب في هذا الأمر أن غالبية القوى السياسية التي تود خوض غمار هذه المعركة الانتخابية تتصرف حيال هذا الاستحقاق وكأن البلاد والعباد يعيشون في أوضاع طبيعية لا بل مزدهرة، لا ينغص عليها أي شيء، فتراهم يسحبون من أدراجهم الخطابات المذهبية والطائفية بغية شد عصب الناخبين بعدما أثبتوا فشلاً عارماً في تحقيق مستوى العيش الكريم لمن سيوكلهم صفة تمثيلهم في الندوة البرلمانية.

بغض النظر عن هذا المشهد البغض الذي يسبق العملية الانتخابية، فإن كل الأسباب المطلوبة لحصول هذا الاستحقاق في موعده هي موجودة، ولكن فإن الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى تعطيل هذه الانتخابات هي موجودة، أيضاً، وهي إما محضّرة أو مخفية.

حصول الاستحقاق الانتخابي لن يُغيِّر في موازين القوى ولن يحلَّ الأزمات المتشعبة

ففي ما يتعلق بالأسباب التي توحي بأن الانتخابات ستحصل في موعدها، فإنه حتى هذه اللحظة تسير الأمور في مسارها الطبيعي ولم يبرز أي معطى سياسي أو غير سياسي يشي بأن هذه الانتخابات ستؤجل، وكل ذلك مدعوم بإصرار دولي على ضرورة حصول هذه الانتخابات التي تعتبر باعتقادهم المدخل الرئيسي لولوج الاصلاحات المطلوبة لتقديم المساعدات للبنان.

أما في ما خص الشق الثاني لجهة إمكانية أن تؤجل هذه الانتخابات، فإن هناك شكوكاً مشروعة حيال هذا الأمر، خصوصاً وأن هناك أسباباً كبيرة وخطيرة تذهب في هذا الاتجاه، فالوضع المعيشي والاجتماعي بات يأخذ هذه الأيام شكل البالون الذي يُنفخ فيه يومياً حتى باتت هناك مخاوف من أن يفلت هذا البالون من يد الجميع وينفجر، ونذهب معه إلى انفجار اجتماعي واسع ربما تكون تداعياته أصعب وأخطر من الحرب الأهلية، وتكون فيه الكلمة للصوص الشوارع والأحياء وهو ما يعني الوصول إلى قمة الخوف التي تستدعي حكماً تأجيل الانتخابات لأنها ساعتئذ لن تكون أولوية لدى السياسيِّين وعامة الناس.

وثاني المواضيع التي لها تأثيرها الفاعل على مسار العملية الانتخابية وربما تساهم في عملية التأجيل هي الحرب الروسية الأوكرانية، حيث إن ما قبل هذه الحرب لن يكون كما بعدها، لأننا سنكون مع قابل الأيام أمام عالم جديد يفرض معادلات ومتغيرات على مساحة العالم، وبما أن لبنان من بين الدول التي هي أكثر تأثراً حيال أي تطورات خارجية ربما تلفحه هذه المتغيرات وتؤدي إلى فرملة العملية الانتخابية بما يؤدي إلى تأجيلها.

ومن الطبيعي أيضاً عدم إسقاط العامل الاسرائيلي من مسببات تأجيل الانتخابات، فماذا لو ذهبت إسرائيل في اتجاه التنقيب عن النفط في وقت قريب بعدما أوكلت لشركة أميركية التنقيب في المنطقة المتنازع عليها من دون أي اتفاق مع لبنان؟ وماذا لو ردَّ «حزب الله» على ذلك بعدما أعلن أمينه العام السيد حسن نصر الله وأكثر من مسؤول فيه بأن «الحزب» لن يسكت على أي عمل إسرائيلي من هذا النوع؟ هذا من دون إغفال التطور الكبير الذي حصل في أربيل في ما خص الصدام الإيراني – الإسرائيلي المفتوح على مصراعيه، كل هذه العوامل إن حصلت ستكون سبباً إضافياً أيضاً في تأجيل العملية الانتخابية.

ولنفترض أن هذه العوامل كلها سقطت، وأن الانتخابات النيابية حصلت، فهل سينتج عنها ما يُغيّر الواقع الحالي على مستوياته كافة؟

وفق معطيات كل الأفرقاء فإن نتائج الانتخابات في حال حصولها لن تؤدي إلى أي تغيير لا في موازين القوى ولا على مستوى الواقع المعيشي والاجتماعي والمالي، وأن الأكثرية ستبقى على حالها، حيث إن كل الاستفتاءات التي حصلت تؤكد صعوبة أي خروقات جوهرية في اللوائح الكبرى التي ستحافظ على حجمها، وأن المعارك التي ستحصل ستكون محصورة في مناطق معينة لا سيما حيث التواجد لـ«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر».

كما أن هذه المعطيات تؤشر إلى أن الفترة الزمنية التي تفصلنا عن الخامس عشر من أيار ستكون صاخبة سياسياً وهي ستكون شرسة في بعض المناطق في ظل الاحتدام الحاصل حول من ستؤول إليه الأكثرية، كما أن هذه الانتخابات ستكون من أكثر الانتخابات ضعفاً في عملية الاقتراع حيث إن المزاج الشعبي غير مشجع وبالتوازي فإن هذه الانتخابات ستكون الأغلى ثمناً حيث يتوقع أن تُضخ في بعض المناطق مئات ألوف الدولارات للحصول على بعض الأصوات.