كتب عمر البردان في “اللواء”:
مع دخول لبنان مدار الانتخابات النيابية، بعد إقفال باب الترشيحات على 1043 مرشح، وهو الأعلى منذ العام 60، بدا أن الملف الانتخابي مرشح لمزيد من الاهتمام الداخلي على صعيد رسم التحالفات بين المكونات السياسية، وهو ما ظهر في طيات المواقف اللافتة للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أمام عدد من كوادره، في وقت وضع المجتمع الدولي هذا الاستحقاق تحت مجهره، من خلال بعثة المراقبة التي سيرسلها الاتحاد الأوروبي، تزامناً مع إجراء الانتخابات. وإذا كانت القوى السياسية قد أعلنت حالة النفير العام في صفوفها، مع بدء العد العكسي لهذا الاستحقاق، فإن غياب المكون السني الأساسي عن الانتخابات، بإعلان عزوف رؤساء الحكومات السابقين عن المشاركة، للمرة الأولى منذ عقود، من شأنه أن يترك تداعيات لا يمكن تطويقها، بالنظر إلى دور الطائفة الأساسي في التوازنات الوطنية. وبالتالي كيف يمكن تصور ولادة مجلس نيابي جديد، يفتقد إلى شخصيات سنية وازنة، كان لها الدور الأبرز على الصعيد الوطني في العقود الأخيرة. ولا أحد يتصور أن يخاض غمار هذا الاستحقاق النيابي الذي يحظى بمتابعة إقليمية ودولية غير مسبوقة، على ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري، دون مشاركة رؤساء الحكومة، ترشيحاً إلى ما يمثله «تيار المستقبل» ورئيسه على الساحتين السنية والوطنية.
وفيما لم يحجب الانشغال الداخلي بالتحضير للانتخابات النيابية، من استمرار تصاعد التحذيرات من خطورة الأوضاع المعيشية والحياتية، نتيجة تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن ما لفت هو مسارعة المسؤولين إلى طلب نجدة دولية، إزاء المخاطر الجدية التي تتهدد الأمن الغذائي في لبنان، بعد دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي،من نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد، إلى دعم لبنان في ملف الأمن الغذائي، وفق مخطط الأمم المتحدة لمواجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا على الدول كافة وبخاصة دول المنطقة بما فيها لبنان». كذلك الطلب من الأمم المتحدة «دعم لبنان لمواجهة التحديات المتعددة الناتجة عن وجود النازحين السوريين في لبنان».
وهذا برأي أوساط سياسية، يعكس بكثير من الوضوح دقة الوضع الخطير الذي وصل إليه الحال في لبنان، اقتصادياً وحياتياً، بعد تفاقم أزماته وعجز حكومته عن القيام بالدور المطلوب منها على هذا الصعيد، بعد تعثر المفاوضات مع صندوق النقد، وعدم إحراز تقدم على هذا الصعيد، في حين استرعى الانتباه، ما تم الكشف عنه، من أن وفدا سعوديا رفيع المستوى برئاسة المستشار السعودي نزار العلولا، زار قصر الإليزيه والتقى المستشار الرئاسي باتريك دوريل، في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية في الشأن اللبناني»، انطلاقاً من جهود باريس والرياض من أجل مساعدة الشعب اللبناني، والتخفيف من الضائقة الخانقة التي يواجهها، بالرغم من إحباط الدول الخليجية الأربع من الرد اللبناني على الورقة الكويتية، وما صدر من مواقف على لسان مسؤولي «حزب الله» الذين لم يخففوا من حملاتهم ضد المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون. وهذا بالتأكيد سيقف حجر عثرة أمام المحاولات التي تجري، ويقوم بدور أساسي فيها، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، لإعادة مد الجسور بين بيروت والعواصم الخليجية.
وترى مصادر سياسية، في هذا الإطار، أن ما يصدر عن بعض المسؤولين الرسميين من مواقف إيجابية تجاه العرب، جيد ومطلوب، سيما في ظل استمرار حزب الله في رفع نبرته في وجه القيادات الخليجية والعربية، موجّها اليها ابشع التهم وملصقا بها ابشع الصفات، من الخيانة الى العمالة… غير ان الكلام الرسمي «الجميل» بعيدٌ من تحقيق الهدف الذي يتوخّاه لبنان، ألا وهو تطبيع العلاقات من جديد مع محيطه. ذلك ان مواقفَ مسؤولين «ملتبسة» او «رمادية» وتقف على منزلة وسط بين العرب والحزب، من جهة، فيما الشروط التي حدّدها العرب والخليجيون، للوصول الى اعادة مد الجسور بين الجانبين، وتفعليها سياسيا وماليا واستثماريا وسياحيا، باتت واضحة، وعلى لبنان الالتزام بتنفيذها،من أجل تجاوز هذه الأزمة، وإخراج لبنان من عنق الزجاجة.