كتب حسين الدر في “اللواء”:
أُقفلت أبواب التّرشيحات وفتحت أبواب التّخمينات حول جدوى الاستحقاق النّيابيّ في هذا الوقت الضّائع من تاريخ لبنان والمنطقة والعالم أيضًا.
وإذا كان حراك 17 تشرين 2019 قد أسّس لإمكانيّة التّغيير، من داخل الأحزاب، بعدما عجزت مجموعاته عن الالتفاف حول قيادة واحدة وتقديم رؤية واضحة، فإنّ أكثر قوى السّلطة حكمت على نفسها بالجمود، ولم تنتهز فرصة تجديد بنيتها وترميم صورتها، بغض النّظر عن صحّة ما صار شائعاً بين اللّبنانيين عن فساد السّلطة ومكوّناتها وتسبّبها في خراب لبنان ودمار اقتصاده.
يلاحظ المتابعون لنبرة الخطاب الممهّد لخوض الاستحقاق الانتخابيّ أنّ أصوات المراهنين على اعتباره نقطة فاصلة في تحديد مستقبل لبنان قد خفتت، وأنّ القوى المناوئة لحزب الله الّتي وعدت جمهورها ورعاتها بأنّها ستقلب الطّاولة في صناديق الاقتراع بحصدها أكثريّة موصوفة تمكّنها من استعادة السّلطة وإدارة الدّولة بعيدًا من نفوذ إيران قد تراجعت حماستها وانخفض سقف توقّعاتها.
فالإحصائيات واستطلاعات الرّأي بيّنت، حتّى الآن، بأنّ هامش الفارق بين الطّرفين المتنافسين ضئيل جدًّا، وليس معلوماً كفّة من سترجح بعد فرز النّتائج، لكنّ الأكيد أنّ الثّنائي الشّيعي سيكون الأقلّ تضرّراً، وقد يأتي بكامل حصّته، فضلًا عن قدرته على تشكيل رافعة لحلفائه..
وبناءً على ذلك برزت قراءة جديدة ترجّح تطيير أو تأجيل الانتخابات لأسباب يراها أصحاب تلك القراءة موضوعيّة ومنطقيّة، وأبرز هذه الأسباب:
– غياب الميثاقيّة الفعليّة بعد تعليق تيّار المستقبل عمله الانتخابي، وعزوف أقطاب الطّائفة السّنّيّة عن التّرشّح، ما يعني إختلالًا في ميزان التّوافق الوطنيّ بغياب كبرى الطّوائف المؤسّسة للكيان عن التّاثير الحقيقيّ في المشهد السّياسيّ في ظلّ مرحلة حاسمة قد تكون مدخلًا لإعادة تشكيل النّظام أو ترميمه.
– سقوط الرّهان الخارجيّ على قلب المعادلة السّياسيّة عبر صنادق الاقتراع بعدما كان الخارج متحمّساً ومشدّداً على اجراء الانتخابات في موعدها، وبعد فشل منظّمات المجتمع المدني في تشكيل تحالفات وازنة لمواجهة الأحزاب الحاكمة.
– الأزمة الاقتصاديّة الخانقة والانهيار المستمرّ في غياب خطّة واضحة لإعادة النّهوض، ما يهدّد بانفجار اجتماعيّ وثورة جياع شبيهة بما حصل في 17 تشرين 2019.
– تداعيات الحرب في أوكرانيا وانعكاسها على الاتفاق النووي الايراني ما يعني تجميد الصفقة التي كانت متوقعة في المنطقة من اليمن الى سوريا فلبنان بانتظار جلاء غبار المعركة، والّتي يبدو أنّها ستمتدّ أطول من المتوقّع.
أمّا العنصر الأكثر خطورة فهو ما تمّ كشفه، إلى الآن، من خلايا لعملاء إسرائيليين تمّ نجنيدهم بشكل غير مسبوق من حيث الأعداد الكبيرة والآليّات المتّبعة والدّوافع المتعدّدة، حتّى شبّهها أحد القادة الأمنيين بأنّها حرب استخبارات شاملة تشنّها «إسرائيل» على لبنان، ولا يستبعد المرجع الأمنيّ نفسه احتمال قيام العدوّ بأعمال أمنيّة غير متوقّعه من حيث الأماكن والشّخصيّات المستهدفة، وما يمكن أن تسبّبه من انفلات أمنيّ وربّما احتكاك مباشر بين اللّبنانيين في نقاط التّماس الكثيرة الّتي تجمعهم.
بقي شهران على موعد الانتخابات، وخلال شهرين تبقى كلّ الاحتمالات مفتوحة، فالأزمة الاقتصادية الّتي يعاني منها لبنان منذ سنتين ستمتدّ إلى كلّ دول العالم، كما صرّح أمين عام الامم المتّحدة قبل أيّام، عندما حذّر من مجاعة عالميّة بسبب تداعيات الحرب الدّائرة على الأراضي الأوكرانيّة بين روسيا والقوى الغربيةّ.
وكما كان لبنان يقع بين احتماليّ الحلّ والحرب كذلك العالم اليوم بانتظار انتهاء الحرب في أوكرانيا للبناء على نتائجها، ومروحة الاحتمالات واسعة حدّ التخوّف من نشوب حرب عالميّة ثالثة في أيّ لحظة احتكاك عرضيّة أو مقصودة بين روسيا وحلف النّاتو، وأضعف الاحتمالات إمكان ولادة نظام عالميّ جديد إذا استطاعت روسيا فرض شروطها وتحقيق أهدافها من العمليّة العسكريّة المستمرّة في أوكرانيا!