كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
ثلاث لوائح تتنافس «ودّياً»، في الشكل، في انتخابات الرابطة المارونية التي تجرى غداً في «الفوروم دو بيروت». فعلامَ سيستفيق موارنة لبنان بعد غدٍ؟ على أيّ تغيير؟ كلهم وعدوا لكن، فلنقلها بصراحة: لا نصدّق لكننا سنحاول، سنراهن، سننتظر إذا كان للرابطة نفع أم وجودها مثل عدمه؟
الى انتخابات الرابطة المارونية نسير. ثلاث لوائح تشارك. غسان خوري شكّل لائحة «رابطة لبكرا»، بول كنعان شكّل لائحة «موارنة من أجل لبنان»، وخليل كرم شكّل لائحة «تجذر وصمود». للإنتخابات دائماً شعاراتها وعناوينها لكن، ماذا عن ترجمة المضامين؟ هذا هو طبعاً الأهم. أسهل الأمور أن نقول: فلنعطهم فرصة قبل أن نحكم على جدوى أن تكون للموارنة رابطة جديدة وأن يكون للرابطة رئيس وأعضاء. في كل حال، من شرب البحر لن يغصّ في الساقية، فلنعط الرابطة فرصة لكن فلتكن قصيرة.
بول كنعان، دينامي جداً، ومقرّب من بكركي أيضاً جداً. وهو، منذ البداية، كان مصرّاً على «أن لا استسلام في قاموسه»، وطالما شدد على «ضرورة تفعيل الأنتلجنسيا المارونية من خلال المؤسسة» ويقول: «يجب ان تكون الرابطة حكومة ظل عند المسيحيين وتحديداً عند الموارنة الذين يُشكلون الطاقة الوحيدة التي لم تشتغل لنفسها بل لكل لبنان منذ إعلان لبنان الكبير. دورنا إقامة خلوات تفكّر، تعدّ، تطالب، وترسم المستقبل». وكنعان، الذي قد يُصبح بدءاً من مساء الغد، بحسب «البوانتاج» الذي أعدته لائحته، رئيساً، هو القائل «أن رئاسة الرابطة المارونية من بين أهم الرئاسات في البلد وهو سيعيد دور الرابطة الفعّال مسيحياً ووطنيا». عساه خيراً.
هو المستقبل شاغل الناس والموارنة والبلد، من أقصى شماله الى أقصى جنوبه، لكن: أي رابطة يمكنها ضمان هذا المستقبل بما هو أبعد من مجرد دورها في وضع «النياشين» على النعوش وتنظيم حفلات الزفاف الجماعية وإصدار البيانات؟
لائحة «رابطة لبكرا» أنجزت كل التفاصيل ليوم غد. ورئيسها رجل الأعمال غسان خوري (ابن متعهد المارينا جوزف خوري) ليس مدعوماً، على ما كرر، من أحد. مطانيوس الحلبي، رئيس جامعة الآداب والعلوم والتكنولوجيا، شغل منصب نائب رئيس الرابطة المارونية نعمة الله أبي نصر عام 2019، لكنه استقال منه بعد ستة أشهر فقط. وها هو اليوم يترشح على المنصب نفسه في لائحة غسان خوري. «فما عدا ما بدا»؟ يجيب الحلبي: «وجدت الرابطة كي تواجه التحديات على المستوى المسيحي الوطني وكي تدلو بدلوها، لكنّ هناك ظروفاً واجهت المجالس السابقة، وأظن أن ظروفاً جديدة قاسية جداً قد استجدت، مطلوب أن نواجهها اليوم، بأسلوب مختلف ورؤية مختلفة». مطانيوس الحلبي كما يعرفه كثيرون متفلت من القيود الكلاسيكية، ومتميز، ويعتمد على الدوام استراتيجية مختلفة تتماشى مع مستلزمات الفكر الماروني. ويقول «آن أوان أن تنظر الرابطة وتصغي بعين وأذن جديدتين، فلم يعد هناك مجال للتنظير وإطلاق الشعارات الفارغة من مضامينها».
ما رأي زميل الحلبي في لائحة «رابطة لبكرا» جرّاح العظام جورج مراد؟ هو درس وعاش ومارس الطب في فرنسا طوال ثلاثين عاماً وقرر أن يعود الى لبنان ليستقرّ. هو عاشق هذا البلد العائم على أزمات. وهو اليوم قرر ان يترشح كعضو في اللائحة التي قيل في بعض البوانتاجات أنها تحلّ ثالثة. فهل برنامجها يتلاءم مع مبادئه؟ وماذا يمكنهم فعله وتغييره؟ يجيب «نحن اللائحة الأولى لا الثالثة» ويستطرد بالقول «إخترت غسان خوري لأن له تاريخاً عريقاً مع المؤسسات المارونية ويقدم مساعدات كما انه متواضع، وهذه ميزة مهمة أعوّل عليها بثقافتي الفرنسية، فقد قضيت أكثر من نصف عمري هنا وأكثر ما يزعجني هو «الإيجو» (EGO) لدى بعض الأشخاص وهو ما أوصلنا مارونياً ومسيحياً ووطنياً الى متاهات».
التشطيب وارد
الإنتخابات تحصل غداً في «الفوروم دو بيروت»، بدءاً من الساعة التاسعة صباحاً، وسيكون هناك صندوقان، واحد لانتخاب رئيس اللائحة ونائبه، وثان لانتخاب الأعضاء، بمعنى أنه إذا خسر رئيس اللائحة يخسر حتماً نائبه، غير أن التشطيب وارد في أسماء أعضاء اللوائح الثلاث. في كل حال، الجميع بدوا يتحدثون عن إنتخابات لا عن معركة لكن، في الكواليس، تكلم البعض عن شخصيات تدخلت لدفع قيمة الإشتراك السنوي عن أعضاء الرابطة الذين لم يسددوا إشتراكاتهم، وبذلك اشترت أصواتهم. أمر آخر يُمكّن أصحاب تلك اللوائح من استحواذ الأصوات وهو «ألو كيفك؟». يبدو أن أعضاء الرابطة المارونية هم من فئة الأشخاص الذين يحبون أن يتصل بهم المرشح شخصياً. وهذا ما فعله كثير من المرشحين.
رئيس اللائحة الثالثة، الثانية في «بوانتاجات» البعض، هو السفير خليل كرم. هو أطلق لائحته تحت تسمية «تجذر وصمود» وهو مدعوم من رئيس الرابطة الحالي (الذي تنتهي ولايته غداً) نعمة الله أبي نصر. كرم استخدم كثيراً من العبارات في الإعلان عن برنامج لائحته وبينها: المارونية الحرة، المترفعة، الزاهدة، النزيهة من أنياب كل أشكال الذمية والإلتحاق والعبودية والتخلف والذل والمهانة و… و… عبارات عبارات تلاقت اللوائح الثلاث في استخدامها، لذا، ستكون العبرة في التنفيذ.
نعود الى الدكتور مطانيوس الحلبي، جريء هو، ويقول كلمته ويمشي ويقول «لا أتكلم لأتكلم، التنظير يقتلني، وقول الحق بلا مسايرة ضرورة ماسة». في كل حال، هو سبق وتوجه الى السفير كرم، رئيس اللائحة المقابلة، بقوله: «يحزنني، كما يُحزن الكثيرين عليك، أن تنكر على الآخرين من رفاقك في الرابطة كفاءاتهم وخبراتهم» فماذا قصد بذلك؟ يجيب «هو صديق وما أردت أن أقول له هو أنه جيد وغيره جيد أيضا».
يعتبر الحلبي أن الرابطة سبق ومرّت بعصر ذهبي وقالت كلمتها لكنها لم تمش بها.
ما رأي المحامي أنطوان عقل الذي سبق وأعلن قبل أعوام تعليق عضويته في الرابطة المارونية «الى حين إنشاء هيئة جديدة من رجال الفكر والمواقف والنزاهة» كما عاد واعتذر قبل شهرين عن قبول التكريم ووسام الرابطة للخدمات. فهل يعني ذلك أنه رفع أصابعه العشرة لجهة فعالية وجود الرابطة؟ يجيب وهو يعود عقوداً الى الوراء قائلاً: «في العام 1952 كنا طلاباً في الجامعة اليسوعية ونزلت مع بعض الأصدقاء الى كنيسة مار مارون وواكبنا من هناك صدور مرسوم تأسيس الرابطة المارونية. كانت هناك أسماء شخصيات نخبوية مميزة. كانت أياماً». ويستطرد عقل بالقول: «لاحقا، في انتخابات للرابطة، قلتُ للبطريرك: يا سيدنا أوقف الإنتخابات، لأن أحدهم عمل على إدخال 262 شخصاً الى الرابطة لديهم محلات بنّ. قلت له بالحرف: الرابطة ليست معدة لبيع البن. أدى كل ذلك، بالإضافة الى أمور أخرى كثيرة، الى انحراف الرابطة عن دورها». ويتابع: في العام 1972 أتى من شطب من الرابطة الأعضاء حكماً مثل رؤساء الجمهوريات السابقين والوزراء الحاليين والسابقين والنواب السابقين والحاليين وموظفي الفئة الأولى والمدراء العامين والسفراء ورؤساء المصالح، فقلت لسيدنا: يجب إعادتهم واشكروا ربكم أنهم أعضاء في الرابطة حكماً لأن هؤلاء لن يقدموا طلبات إنضمامهم لوحدهم. وهذا ما عادوا وبتوا به. ومع الأيام أصبحت الرابطة ورقة نعوة ليس إلا. وبياناتها إقرأ تفرح جرّب تحزن».
قرأ عقل برامج اللوائح الثلاث التي تتنافس غداً في انتخابات الرابطة المارونية ويقول: «تناولت البرامج نفس النقاط تقريباً ويبقى الرهان في القدرة على التنفيذ» يضيف حول انتماء رؤساء اللائحة بالقول «بول كنعان أخ إبراهيم (كنعان) لكنه أعلن في بيان إستقلاليته عن الحزب. في المقابل خليل كرم مرشح نعمة الله أبي نصر الذي هو في الأصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون. أما غسان خوري فأعلن عدم انتسابه الى أحد». ويستطرد بالقول: «الثلاثة أعلنوا استقلاليتهم عن الأحزاب».
الدكتور جورج مراد يتحدث عن مشروع إنشاء مجلس الأمناء في الرابطة ويقول: «إقترح غسان خوري ذلك في برنامج لائحتنا، ومجلس الأمناء يكون من أشخاص مقتدرين في لبنان والخارج، يفترض أن يقدموا مساعدات للضيَع المارونية في الأطراف».
جورج مراد ومطانيوس الحلبي يرفضان كل الكلام عن «بوانتاجات» سبقت النتائج غداً ويتفقان على «أن معنوياتهما عالية» وانتصار اللائحة هو انتصار للرابطة.
وماذا بعد؟
رئيس الرابطة المارونية النائب السابق نعمة الله ابي نصر أكد «التزام المجلس التنفيذي للرابطة بالعمل على إجراء انتخابات حرة نزيهة وشفافة غداً» لافتاً الى «أن هذه المؤسسة التي مضى على تأسيسها سبعون عاماً لم تقوَ عليها محاولات إنهائها أو تهميشها أو تحويل مسارها».
ثلاثون ساعة ويكون للموارنة رئيس رابطة جديد. ماذا سيتغير؟ كثيرون يبتسمون في السرّ وفي العلن، فالرهان على التغيير قليل، اللهمّ اذا لم تفاجئ الرابطة الموارنة هذه المرة وتؤدي دورها العلاجي والوقائي وتسترجع أصالتها لا «أصوليتها» مع التجدد الفعلي على قاعدة «من لا يملك ذاكرة لا يمكنه بناء مستقبل».