Site icon IMLebanon

ميقاتي وطرابلس: رحيل صامت ووداع بلا دموع

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

لم يتخيل احد أن يعزف نجيب ميقاتي عن خوض الإنتخابات النيابية؛ وقد تكون هذه آخر حكوماته، ومعها نهاية مسيرته السياسية بعد شهرين من الآن… ويمرّ الخبر في مدينة طرابلس وكأن شيئًا لم يكن.

صحيحٌ أن ميقاتي قد مهّد للعزوف بسلسلة تسريبات عن الخطوة من وقت لآخر، بينما واقع الحال يفترض أن يكون بغير صورة، لو ظلت صورته كما أول إطلالة سياسية له على الساحة الطرابلسية. فهو ليس بالخبر العادي، ولا نجيب ميقاتي بالشخص العادي. هو السياسي الذي دخل إلى عالم السياسة للمرة الاولى وزيراً للأشغال العامة والنقل في حكومة رفيق الحريري والحكومات التي توالت. فدخول الرجل الملياردير السياسة وتمثيله المدينة لسنوات في الندوة البرلمانية اسعد الاهالي، وأحلام الطرابلسيين من هذا الثري المواظب على صلاة الفجر في مدينته كانت كبيرة. هو بالنسبة إليهم رفيق حريري جديد قادم إلى طرابلس كما قدم الحريري الصيداوي الثري إلى بيروت فأعاد بناءها وإعمارها.

عطاءات ميقاتي وتقديماته في طرابلس لم تكن على قدر أحلام اهلها، مع أنه وجه سياسي جديد، لكن طريقة تعاطيه في السياسية لم تختلف عمن سبقوه في المدينة. لم يبنِ فيها إلا مؤسسات خاصة (مدارس وجامعات) بأقساط عالية، وخدمات محدودة بمستوصف هنا أو مساعدات شخصية هناك، في وقت تحتاج طرابلس إلى انتشال اقتصادها من الحضيض وإحيائه مجدداً وهو يملك كل المقومات لذلك.

تجاربه في السياسة لم تكن مشجّعة. من الوزارات إلى رئاسة الحكومة ثلاث مرات، لم يتغير شيء في أوضاع مدينته، ففي حكومته الثانية 2011، اصطحب معه 5 وزراء من طرابلس وأقرّ 100 مليون دولار للنهوض بها لم يتحقق منها شيء. كل ذلك في كفّة وحكومته الحالية في كفّة أخرى.

ترأس ميقاتي الحكومة في ظل انهيار اقتصادي غير مسبوق، وأهل مدينته في أصعب الأوضاع، وشبابها من دون فرص عمل، والمشاكل تعصف بها من كل جانب. لم يتحمّس الناس للحكومة وتركوا الحكم للأداء. أقرّت الحكومة الميقاتية ضرائب واسعة على كل شيء، وارتفعت في عهدها الأسعار بشكل جنوني، وأصبحت طرابلس بلا كهرباء وماء واتصالات وبلا أمن وأمان. ازداد العنف وتفشّت السرقات واشتدت الحياة على الناس «المهترية» لكن رئيس الحكومة الطرابلسي كان يطلب منهم الصبر: «بدنا نتحمل بعض».

ثورة 17 تشرين هشّمت صورته في مدينته، ونال أكبر قدر من جولات الإعتصام أمام منزله. انكشفت الحقيقة أمام الناس. فطرابلس الأفقر على ساحل المتوسط فيها رئيس من أغنى أغنياء العالم. النقمة على كل السياسيين موجودة لكنها مضاعفة عليه. حضر ميقاتي قبل 3 أيام إلى قصره في الميناء ليعلن عزوفه ويمشي. لم يتواجد هناك إلا بعض الموظفين وعدد من الإعلاميين تمت دعوتهم لتغطية «الفاجعة التي حلت بطرابلس». ألقى نجيب خطاب الوداع من دون تصفيق، دخل قصره وخرج من دون وداع، قال كلمته ومشى من دون دمعة واحدة تُذرف على «أبو الفقراء» كما كان يحلو للعزميين أن يسموه. غادر ميقاتي طرابلس إلى بيروت وربما كان يمشي أمتاره الأخيرة في طريق السياسة. تفاعل طرابلس باهت مع الإنسحاب والردود والتعليقات على صفحة الرئيس تراوحت بين التهكم والفرح وبعض الحزن من العزميين بينما ارتأت الأغلبية التعليق «هذا أفضل قرار بتاخدو بحياتك».

ميقاتي وبالرغم من دهائه السياسي ونجاحه في عالم المال والأعمال وثروته، فشل في امتحان كسب قلوب الطرابلسيين والشماليين ولم يقدّم نموذجاً سياسياً جديداً لطالما انتظره منه الناس. أنهى حقبته السياسية بخطاب الدقائق كما فعل صديقه سعد. وإذا كان صديقه سعد قد وجد في بيروت وصيدا من يقطع طريقاً أو يحرق إطاراً حزناً على غيابه، فإن النجيب لم يجد ولو شخصاً واحداً يعتلي كورنيش الميناء أمام منزله ويرفع له إحدى يديه ليقول له «الله معك دولة الرئيس».