جاء في “العرب اللندنية”:
ينتظر المجتمع الدولي إجراء الانتخابات النيابية في لبنان ولا يفوّت فرصة واحدة للتذكير بأهميتها، إلا أن سيناريو تأجيلها لا يزال قائما رغم تحويل وزارة المالية الأربعاء للأموال المرصودة لها وغلق باب الترشحات.
ولا تغيب فكرة التمديد لمجلس النواب عن الطرح في الداخل اللبناني ما يعني أيضا تمديد عهدة الرئيس اللبناني ميشال عون وما سيصحب ذلك من المزيد من تأزيم الوضع السياسي المتردي أصلا، والذي سيلقي بظلاله على مساعي تجاوز الأزمة الاقتصادية المستفحلة.
وحُدّد موعد الانتخابات النيابية في الخامس عشر من أيار القادم، وسط مقاطعة رموز المكون السني (سعد الحريري، فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي، تمام سلام) وسط تساؤلات: كيف سيخوض السنة الانتخابات دون مرشح بارز، وما هي حظوظهم في المشهد السياسي المرتقب إن تم الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها.
وشدد مجلس الأمن الدولي، مطلع شهر فبراير الماضي في بيان، على “أهمية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في الموعد المحدد لها”.
كما قالت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، في تصريح صحافي، إن هناك “إجماعا” في المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، مؤكدة على أنه “لا مجال للمناورة”.
وشدد عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أكثر من مرة، على أن الانتخابات النيابية سوف تجري في موعدها. كما أبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري تمسّكه بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى جماعة حزب الله، إذ أكد أمينها العام حسن نصرالله، في إحدى إطلالاته التلفزيونية، المشاركة في الانتخابات “بجدية وحضور قوي وبتفاعل ومسؤولية”.
ولكن، على الرغم من كلّ ذلك، لا تغيب فكرة التمديد لمجلس النواب عن الطرح.
وأطول فترة تمديد لمجلس نيابي لبناني كانت خلال الحرب الأهلية، إذ طال عمر البرلمان من أيار 1972 حتى أيار 1991.
وكرّس اتفاق الطائف (1989)، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصة الطائفية، فتوزعت المناصب الرئيسة بين المكونات الأساسية الثلاثة: المسيحيين والسنة والشيعة.
وبعد العام 2005، مددّ برلمان 2009 لنفسه أكثر من مرة لظروف أمنية وسياسية ولوجستية، وذلك مع بدء الحرب السورية وظهور تنظيم داعش، وبعدها لعدم الاتفاق على قانون انتخابي، لتحصل الانتخابات بعد 9 سنوات، أي في العام 2018، بدلا من العام 2013.
ويقول الخبير الدستوري عادل يمين إن “التمديد لا يحصل إلا إذا وقعت قوة قاهرة غير مرتقبة منعت عمليا إجراء الانتخابات، مثل وقوع أحداث أمنية كبيرة”.
ويرى المحلل السياسي اللبناني ميخائيل عوض أن “الانتخابات ممكن أن تتأجل لمدة 6 أشهر أو ألا يتم إجراؤها”، ما يعني حتما التمديد للبرلمان.
ويعتقد المحلل السياسي مهند الحاج علي أن الطبقة السياسية ليس من مصلحتها إجراء الانتخابات، وبعضها يسعى خفية إلى تأجيلها، لكنها لم تجد الذريعة القوية حتى بانسحاب الأقطاب السنية التقليدية.
ويضيف أن الانتخابات قائمة كمطلب دولي، ومسألة إجرائها لم تعد شأنا داخليا، إذ أن أي حدث إقليمي كبير مؤثر على لبنان يستطيع خلط الأوراق والحسابات فيه.
ويبقى حصول حدث أمني كبير هو العامل الأساسي الذي من الممكن أن يؤجل الانتخابات النيابية، وفق الخبراء، وذلك بعد إنجاز الخطوة الرسمية الأولى لخوض هذا الاستحقاق، التي تمثلت بإقفال باب الترشّح للانتخابات، مع 1043 مرشحا.
وتضع الانتخابات إن، تمت في موعدها، المكون السُني أمام واقع غير مسبوق وهو خوضهم الانتخابات من دون زعامة رئيسية أو تقليدية.
ويقول المحلل السياسي جوني منيّر، “الوضع السياسي السُني سيقود إلى المزيد من الوهن، ليس فقط على المستوى الوطني ولكن أيضا على المستوى المناطقي”.
وبعد اعتكاف الزعامات، تحوّل السؤال إلى نسبة المشاركة في الانتخابات باعتبارها ستكون مؤشرا مهما على مستويين أساسيين؛ الأول يتعلق بمدى تمسّك الساحة السنية بالحريري ورفضها اختيار بديل له، والثاني هو بكيفية انعكاس حجم المشاركة على النتائج، وبالتالي على شكل المجلس النيابي المقبل وموازين القوى فيه.
ويشير مراقبون إلى أنه بغض النظر عن العدد النهائي للمقاعد التي سيحصل عليها كل طرف، يتوقع أن يكون في البرلمان المقبل فريق قوي مؤلف من حزب الله وحليفيه حركة أمل والتيار الوطني الحر. لكنّ الترقب هو لحجم الفريق الموازي، وهو أمر قد تؤثر فيه بشكل كبير نسبة المشاركة السنية، ومحاولات شدّ العصب التي قد تظهر في مرحلة مقبلة، إضافة إلى إمكانية أن يكون هناك تبنّ أو دعم للوائح معيّنة من قبل شخصيات سُنية وازنة، حتى ولو أنها لم تترشح.
ويتوقع محللون أن يؤدي عزوف القيادات السنية إلى أقل نسبة اقتراع بتاريخ الطائفة في لبنان، إلا أن آخرين يعتبرون العزوف فرصة مواتية لظهور قيادات سنية شابة تقطع مع إخفاقات القيادات السنية التاريخية.
وتشير أوساط سياسية لبنانية إلى أن غالبية المكون السني باتت تعتقد أن المشكلة تكمن في هذه الأسماء الكبيرة التي حققت عبر التسويات المختلفة الجاه والمال، وكان ذلك على حساب مصالح الطائفة ودورها السياسي، معتبرة أن الساحة باتت مهيأة الآن للتغيير، وأن نتائج الانتخابات ستوفر فرصة من أجل تغيير الآليات القديمة وكذلك الوجوه التي لم يعد الشارع يثق بها.
وتؤكد المصادر إلى أن صعود قيادات شابة تقطع مع فشل القيادات السابقة قد يعيد الزخم إلى الساحة السنية المهمشة سياسيا لجهة عودة الدعم المالي والسياسي.