بصورة مقلوبة تعكس بلوغ اللبنانيين مراتب متقدمة على سلّم التعاسة والبؤس والكآبة بين شعوب المعمورة، نافس لبنان أفغانستان على تذيّل قائمة “أسعد بلد في العالم” فحل في المرتبة ما قبل الأخيرة بفارق ضئيل عنها وفق التقرير الذي يصدر سنوياً بهذا الخصوص تحت إشراف الأمم المتحدة لتصنيف الدول بحسب معايير “السعادة العالمية” والتي ترتكز بحسب معدِّيه على “التضامن الاجتماعي والسخاء وصدق الحكومات باعتبارها أموراً أساسية لتأمين الرخاء لسكانها”… وعلى هذه المقاييس لم تجد حكومة لبنان أمامها سوى حكومة طالبان الأفغانية لتنافسها على مركز “أكثر الحكومات إتعاساً لشعبها” متفوقةً بفارق ضئيل على حكومة زيمبابوي.
ومن قعر إلى آخر، تواصل التصنيفات اللبنانية مسارها الانحداري، معيشياً واجتماعياً واقتصادياً ومالياً ومؤسساتياً، تحت سطوة سلطة قابضة على مقاليد الحكم في البلد، نهبت مقدراته وأذلّت شعبه على أبواب المستشفيات والسوبرماركات والمصارف، فتركته يصارع رمال الانهيار المتحركة وحيداً بلا دواء ولا غذاء ولا مال… بينما الدولة وأجهزتها أضحت أسيرة لعبة “شد حبال” سلطوية تمعن في خنق الناس وامتهان كراماتهم لحسابات شعبوية وانتخابية تدّعي الإصلاح والتغيير، كما هو حاصل بشكل فاقع في ملف الصراع الدائر بين القضاء والمصارف الذي بلغ مداه خلال الساعات الأخيرة، وفرض نفسه على طاولة مجلس الوزراء في محاولة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للجم “الأساليب الشعبوية والبوليسية” التي تنتهجها القاضية غادة عون وتهدد بهدم الهيكل النقدي فوق رأس الجميع، محذراً من أنّ “مسار الأمور لدى بعض القضاء يدفع باتجاه افتعال توترات لا تحمد عقباها، وثمة محاولات لتوظيف هذا التوتر في الحملات الانتخابية”.
ومن هذا المنطلق، قرر مجلس الوزراء أن “يستنجد” في جلسته اليوم بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لوضع السلطة القضائية أمام مسؤولياتها في المبادرة إلى “وضع حد للشعبوية القضائية” كما نقلت مصادر مواكبة للأجواء الحكومية، موضحةً أنّ “الحكومة ستؤكد على احترامها مبدأ فصل السلطات وأحقية القضاء في متابعة ملف التحقيقات المالية والمصرفية، لكنها ستطلب في الوقت عينه من القيّمين على انتظام عمل السلطة القضائية وضع اليد على هذا الملف والنأي به عن أي منزلق يهدد الاستقرار العام في البلاد ويقوض المصلحة اللبنانية العليا”.
وكانت جمعية المصارف قد لوّحت أمس بالبدء باتخاذ خطوات تصعيدية في مواجهة “الهجمة القضائية العونية التي تستهدف القطاع المصرفي لمآرب انتخابية مفضوحة” كما وصفتها مصادر مصرفية، بدءًا من إعلان “إضراب تحذيري” يشمل توقف العمل في القطاع المصرفي على كامل الأراضي اللبنانية، يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين “كخطوة اولى للتنبيه والتوعية الى خطورة ما آلت اليه الاوضاع الراهنة”، باعتبارها خطوة تحذيرية “ضد التعسف لكي يتوقف المعنيون عن التهرب من مسؤولياتهم وإلقائها على عاتق المصارف، والمبادرة إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية واتخاذ الخطوات المطلوبة لحماية المصلحة العامة”.