كتبت ميسم رزق في “الاخبار”:
لم تكن أحداث العامَين الأخيرين سهلة على وليد جنبلاط. من اليمن إلى أوكرانيا، مروراً ببيروت، يجد زعيم المختارة المشروع السياسي الذي راهن عليه مأزوماً بينما يسجّل خصومه تقدّماً. لم يكُن قد تخطّى بعد خروج شريحة من الموحّدين الدروز من تحت عباءته نحو «ظاهرة» المجتمع المدني من الذين يطرحون أنفسهم مستقلّين بعدما كانوا حتى الأمس اشتراكيّين، حتى جاءته «الضربة» من الرئيس سعد الحريري بإعلانه العزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية.
وليد جنبلاط الذي «لم يحلُب صافي» دائماً مع سعد الحريري، اعتاد الاستفادة من الأصوات الحريرية للحصول على كتلة نيابية وازنة يحصد فيها كامل المقاعد الدرزية باستثناء ذاك الذي اعتاد أن يتركه شاغراً للنائب طلال أرسلان. غير أنّ تشتت الصوت السّني في الانتخابات المقبلة سيترك تأثيراً مباشراً على مقعدَيْ بيروت وراشيا الدرزيّيْن وعلى الحاصل الانتخابي للائحة الزعيم الاشتراكي في عرينه التقليدي الشوف.
وقد اعتاد جنبلاط أنّ ما يعوّض بـ«عطف» حركة أمل وحزب الله ما يخسره بالقضاء والقدر والخيارات الخاطئة. إذ لطالما حرص الرئيس نبيه بري على مراعاة حليفه التاريخي، ومثله فعل حزب الله حرصاً منه على عدم كسر التوازنات الطائفية رغم أن زعيم المختارة، في أحيان كثيرة، «لم يترك للصلح مطرحاً». والمراعاة والحرص هذان هما ما مكّناه، عام 2018، من الاحتفاظ بعدد من المقاعد الدرزية، خصوصاً في بيروت والمقعد الدرزي الثاني في الشوف.
مع اقتراب الاستحقاق المقبل، لم «يستدر» جنبلاط كعادته في الاستحقاقات المفصليّة. إذ لا يزال يذهب بعيداً في مواقفه المعادية لحزب الله، وأعلن تخندقه في الانتخابات، إلى جانب حزب القوات اللبنانية. لذلك، يبدو أنّ الثنائي قرّر، في الانتخابات المقبلة، التوقّف عن «تدليع» البيك الذي يصوّر الأمر هجوماً عليه، ويجيّش العصب الجنبلاطي والطائفي لإسقاط الوزير السابق وئام وهاب في الشوف، ورفع أسهم النائب وائل أبو فاعور في راشيا، مع الاحتفاظ بـ«خط الرجعة»، إذ لم يردّ بترشيح درزي ثانٍ في دائرة عاليه لمنافسة النائب طلال أرسلان وإسقاطه.
تختلف المعطيات والتوقعات حول توزيعه المقاعد الدرزية في الانتخابات المقبلة. على الضفة الجنبلاطية، تُقرّ مصادر اشتراكية بأنّ «المقعد الوحيد الذي لم يعُد في متناول اليد هو مقعد بيروت الثانية» الذي يشغله حالياً النائب فيصل الصايغ، خصوصاً مع خروج الحريري من المشهد. وهو سيذهب لمرشح أرسلان نسيب الجوهري بعدما كان الوزير السابق صالح الغريب مرشحاً له. علماً أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي طالب بترشيح عميد الإعلام فراس الشوفي له باعتبار أنّ للقوميّين تمثيلاً في بيروت ويمكّنهم من تأمين عدد كافٍ من الأصوات التفضيلية للمقعد من دون دعم الثنائي. وبحسب مصادر اشتراكيّة، «رفض جنبلاط الشوفي رفضاً قاطعاً، فسارع أرسلان إلى طرح الجوهري الذي يعتبر معتدلاً مقارنة مع الغريب».
أما «التهويل في ما يتعلق بمقعد النائب وائل أبو فاعور ففيه مبالغة»، رغم أنّ «حزب الله أبلغ قيادة الاشتراكي نيّته دعم طارق الداوود في راشيا». وعدم القلق من ترشيح الداوود مردّه أنّ فوز الأخير يعني سقوط النائب إيلي الفرزلي، «وهو ما لن يسمح به الرئيس نبيه بري». رغم ذلك، لا يشعر جنبلاط بالارتياح لعدم قدرته حتى الآن على ضمان حاصل انتخابي لأبو فاعور بسبب عدم وضوح التحالفات مع مرشّح سني. أما المقعد الدرزي الثاني في عاليه فلا يشكل مشكلة للاشتراكيّين كون جنبلاط «لا ينوي كسر أرسلان».
في الشوف، حيث حُسِم الأمر بينَ المختارة ومعراب والأحرار، وباتت اللائحة شبه مكتملة (تضم جورج عدوان وحبوبة يوسف عون عن الموارنة، تيمور جنبلاط ومروان حمادة عن الدروز، بلال عبدالله وسعد الدين الخطيب عن السُنّة)، يؤكّد خصوم جنبلاط أنّ «المعركة الأساسية هي على مقعد الشوف الذي يعتبر فريق 8 آذار بأن لدى وهاب حظوظاً كبيرة للفوز به في حال تضافر كلّ قوى هذا الفريق». ويستند هؤلاء إلى استطلاعات أُجريت أخيراً شكّكت في نيل الحزب التقدمي المقاعد التي حصل عليها عام 2018، إذا ما واجه تحالف حزبَي التوحيد العربي والديمقراطي اللبناني مع التيار الوطني الحر. علماً أنّ هذا التحالف لم يكتمل بعد بسبب عقدة المرشحين «البساتنة»، إذ يرفض كل من فريد البستاني وناجي البستاني أن يكونا معاً على لائحة واحدة. وفيما يدعم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأول، يتمسّك وهاب وأرسلان بالاثنين، معتبرين أنّ المقعد الذي يخوض وهاب الانتخابات عليه سيكون مهدداً في حال استطاع جنبلاط تجيير حوالى 8000 صوت للنائب مروان حمادة».
أما في حاصبيا، فقد ابتكر بري حلاً وسطياً بين جنبلاط وأرسلان باختيار مروان خير الدين، ابن شقيقة النائب أنور الخليل والعضو في المكتب السياسي للحزب الديموقراطي، والذي يقدم دعماً مالياً للفريقين. بذلك حال بري دون تحالف جنبلاط مع القوات في دائرة الجنوب الثالثة، وسحب من أرسلان حجة البحث عن تحالف نيابي خارج لائحة الثنائي كما حصل في الانتخابات الماضية، وأفقد أي لائحة مقابلة إمكانية الحصول على حاصل انتخابي.
في دائرة بعبدا، تؤكّد مصادر الاشتراكي قدرة مرشّحه على حجز المقعد بالتحالف مع القوات، خصوصاً أنّ قوى 8 آذار لم تخطّط لخوض معركة على هذا المقعد شبه المحسوم للنائب هادي أبو الحسن. إلّا أن الاستطلاعات بأنّ قوى المجتمع المدني يمكن أن تستميل نحو 3000 صوت من تلك التي نالها أبو الحسن في 2018.