كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
مرة جديدة ضربت الأحزاب اللبنانية عرض الحائط بكل الوعود والشعارات التي رفعتها على مر السنوات الماضية بتعزيز حضور المرأة في الحياة السياسية في لبنان من خلال زيادة مستوى تمثيلها في مجلسي النواب والوزراء، كما في وظائف الفئة الأولى، بعدما اقتصرت ترشيحاتها للنساء على عدد قليل جداً مقارنة بعدد النساء اللواتي يخضن الانتخابات، إما على لوائح المجموعات التغييرية أو بإطار مستقل.
وبلغ عدد النساء اللواتي تقدمن بترشيحاتهن بشكل رسمي للمشاركة في الانتخابات النيابية التي تجري في أيار المقبل 155 من أصل 1043 مرشحاً. وفيما اقتصرت الترشيحات الرسمية لـ«التيار الوطني الحر» الذي طالما نادى بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين وأهمية مشاركة النساء في السياسة على سيدة واحدة، لم تتجاوز ترشيحات النساء لدى «القوات اللبنانية» الـ3 مرشحات حتى الساعة، علماً بأن الحزب لم يعلن حتى الساعة كل الترشيحات والتحالفات بشكل رسمي.
ولم ترشح حركة «أمل» إلا سيدة واحدة وغابت كالعادة الترشيحات النسوية عن لوائح «حزب الله». أما الحزب «التقدمي الاشتراكي» فرشح للمرة الأولى منذ سنوات مرشحتين اثنتين؛ الأولى في طرابلس، حيث لا وجود انتخابياً قوياً له، والثانية في الشوف.
في المقابل، ضمت لوائح قوى التغيير والمجتمع المدني عدداً كبيراً من المرشحات، حتى بدا أنهن أكثرية في اللوائح النهائية المرتقب تشكيلها.
ووجهت الأحزاب التقليدية أكثر من ضربة موجعة للنساء الطامحات لدخول المعترك السياسي في العامين الماضيين. إذ شهد تمثيل المرأة اللبنانية في الحياة السياسية انتكاسة كبيرة في التشكيلة الحكومية الأخيرة، مع تعيين امرأة واحدة هي نجلا رياشي وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية بعدما كانت 6 نساء يتولين وزارات أساسية في الحكومة السابقة، أبرزها الدفاع والعدل.
ولم يخصص نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي الذي كان يرأس جلسة اللجان المشتركة لبحث موضوع قانون الانتخاب في شهر تشرين الأول الماضي أكثر من دقيقتين، بحسب النائبة عناية عز الدين، للنقاش بطرح إدخال «كوتا» نسائية إلى القانون الحالي قبل إعلان سقوطه بالتصويت. في وقت كانت فيه عز الدين تدفع باتجاه إدخال «كوتا» نسائية يتم من خلالها حجز 26 مقعداً للنساء في البرلمان من أصل 128، إضافة إلى إلزام تضمين اللوائح الانتخابية 40 في المائة من النساء.
وفيما ربط كثيرون بين حماسة النساء لخوض الانتخابات المقبلة ومفاهيم جديدة أرستها انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، اعتبرت الدكتورة في القانون الدولي العام والمتخصصة بحقوق إنسان والجندرة، المرشحة للانتخابات المقبلة عن دائرة جبل لبنان الثالثة قضاء الشوف، حليمة قعقور، أن انتفاضة 17 تشرين الأوّل «شكلت فرصة ليتبين للناس حجم النساء الناشطات المنخرطات في العمل العام والسياسة، علماً بأن هناك قسماً كبيراً من النساء كن وما زلن خارج إطار المجموعات والتنظيمات، يتمتعن بكفاءات كبيرة».
ورأت قعقور في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «رفض الأحزاب التقليدية اعتماد (الكوتا) النسائية متوقع ومفهوم لأنها منذ 20 و30 عاماً تزرع أدواتها ورجالاتها في المجتمعات المحلية التي توزع عليها الخدمات، وهي لا شك لن تُقدم على سحبها اليوم لمصلحة نساء ووجوه جديدة من خارج شبكة الزبائنية التي أنشأتها معتمدة على الخدمات حصراً وليس على أي برنامج أو على مبدأي المساءلة والمحاسبة». وأضافت: «الكوتا جزء من الحل باعتبار أن المشكلة الأساسية تكمن بالنظام الطائفي القائم، كما بالنظام الاقتصادي وعدم قدرة النساء على تأمين التمويل اللازم للانتخابات».
وتتفق قعقور مع الدكتورة منى فياض، الأستاذة في علم النفس والناشطة السياسية لجهة أن التمويل يشكل عقبة أساسية أمام ترشح النساء للانتخابات. وأشارت فياض في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الثروات في بلداننا بيد الرجال، فإن كان يمكن أن نتحدث عن تقدم كبير وجرأة مزدادة من قبل النساء في خوض الانتخابات والشأن العام، لكنهن حتى الساعة لسن مؤثرات كثيراً سواء بالسوق السياسية أو الإعلامية، أو بالتجارة والصناعة وغيرها من الأسواق».
ولفتت فياض إلى أن «المرأة لعبت دوراً أساسياً في انتفاضة 17 تشرين فحمت الثوار على الأرض ووقفت أمامهم في مواجهة القوى الأمنية، كما أن النساء كن أول من رفع الشعارات المتقدمة كالمطالبة بتطبيق القرار الدولي 1559 الذي أدى إلى إخراج القوات السورية من لبنان».
وشددت فياض على أن «المرأة قبل أن تقرر خوض غمار الشأن العام والسياسة تبحث أولاً عن الدعم من قبل أسرتها والأهم عن الاستقلالية المادية، وبالتالي لا يمكن أن نلوم النساء اللاتي بقين آلاف السنوات مهمشات على وضعهن الحالي في الحياة السياسية اللبنانية».
ونجحت فقط 6 نساء من أصل 86 امرأة خضن الانتخابات النيابية في عام 2018 بالوصول إلى مجلس النواب، 5 منهن ينتمين إلى أحزاب، ما أسهم إلى حد كبير في فوزهن، وواحدة فقط هي الإعلامية بولا يعقوبيان، التي خاضت المعركة على لائحة المجتمع المدني في دائرة بيروت الأولى وتمكنت من خرق لائحتي السلطة.
ويتمثل تيار «المستقبل» في البرلمان الحالي بـ3 نساء؛ هن النائبة بهية الحريري، عمة رئيس الحكومة سعد الحريري، والنائبة عن طرابلس ديما جمالي والنائبة عن بيروت الثانية رلى الطبش. أما «القوات اللبنانية» التي رشحت 4 نساء، فأوصلت نائبة واحدة، هي ستريدا جعجع، زوجة رئيس الحزب.