كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
أن تكون وريثاً لوليد جنبلاط، فتلك مهمة صعبة جداً إن لم تكن شبه مستحيلة. مهما حاول تيمور جنبلاط واجتهد في سبيل إثبات حضوره ومكانته كزعيم مستقبليّ لدار المختارة، فستكون الانتقادات له بالمرصاد، فقط لأنه سيخضع لاختبار المقارنة بينه وبين والده. وهو اختبار «قاتل». فكيف إذا كان هو بالأساس من محبّي الظلّ والصمت والهدوء، وكارهاً السياسة ومسالكها المتعرّجة!
قد تكون مواقع الشبه بين الأب والابن قليلة جداً إن لم نقل معدومة، ولهذا تبدو طريق الوراثة مليئة بالحفر والأفخاخ. وتيمور مكره لا بطل في قيادة جماعته، مهما حاول تأخير تلك الساعة، فهي ستأتي يوماً ما. ولهذا يضغط والده دوماً لوضعه أمام تلك الحقيقة لمواجهتها على مراحل وبتأنٍ، حتى لو احتلّت شقيقته داليا جانباً من الصورة، لا سيما في مرافقة والدها في الكثير من المناسبات التي تحمل طابعاً اجتماعياً… لكن الوراثة معقودة لتيمور. وها هو الاستحقاق النيابي يكرّس هذه المعادلة.
في الذكرى 45 لاستشهاد كمال جنبلاط وقف تيمور خطيباً أمام جمهور حاشد من الجنبلاطيين، فاجأت أعداده المنظّمين، حيث يتردّد بين الاشتراكيين أن الحضور تخطّى الـ25 ألفاً وفق تقديرات الأجهزة الأمنية. التعبئة الجماهيرية لم تكن وحدها العنصر المفاجئ، ذلك لأنّ تنوع المشاركين كان له جانبه من الأهمية بالنسبة إلى الاشتراكيين: وفود من عشائر من الشمال والبقاع حضرت الاحتفال، كما أنّ مشاركة المشايخ لها دلالتها في القاموس الدرزي، واللبناني بشكل عام… فيما التقِطت مئات الصور لداليا جنبلاط وهي توثّق الصور بهاتفها الخلوي للحشود التي ملأت ساحة المختارة. وهي إشارة تعيد التأكيد على التفاهم بين الشقيقين وتكاتفهما.
هي المرّة الأولى التي يجلس فيها وليد جنبلاط في مثل هذه المناسبة في البعيد. ترك الأضواء لنجله الذي أُلبِس كوفية الدار قبل خمس سنوات في الذكرى ذاتها، لما لها من مكانة في وجدان الجنبلاطيين. في اليوم نفسه، يؤكد تيمور أنّه يمثّل الغد بالنسبة إلى مريدي المختارة. يقتضب في الكلام كثيراً. خطابه لم يستهلك ثلاث دقائق من الوقت. وفي زمن الجوع والانهيار، لا كلام يعلو على الخطاب المعيشي. لهذا اختار مخاطبة ناسه بعبارة «حزب الكهرباء» الذي «أطفأ لبنان»، مؤكداً الوقوف «في وجه المبشّرين بالجحيم، وبوجه من يسعى إلى تدمير ما تبقّى من مؤسساتنا».
أمّا في السياسة، فلا يمكن فصل هذه المشهدية عن بانوراما الانتخابات السوريالية، حيث تشهد المفاوضات مع «القوات» جموداً يذكّر بشريط وقائع الاستحقاق الماضي، حين تعرّضت المشاورات بين الفريقين للكثير من العقبات والمطبات إلى حين تمّت تسويتها قبل أسبوعين فقط من موعد فتح صناديق الاقتراع.
اليوم، يبدو أنّ التجربة ذاتها تعيد نفسها، خصوصاً أنّ الفريقين مقتنعان أنّ تحالفهما ضروري ولا يمكن تجاوزه، وأنّ سيناريو الافتراق الحبيّ قد تكون له مفاعيل سلبية على الأرض وقد ينعكس توتراً لا يريده أيّ من الحزبين، وبالتالي إنّ الالتقاء ضمن لوائح مشتركة هو حاجة ماسة سياسية، أكثر من انتخابية.
وعلى هذا الأساس، يرجّح أن يتمّ تحريك المياه الراكدة في أي لحظة، مع أنّ الخلاف بينهما ليس كبيراً ويمكن معالجته، ويتجلّى في المقعد الكاثوليكي في الشوف الذي أصرّ تيمور جنبلاط على ترشيح شارل عربيد بعدما عزف النائب نعمة طمعة عن الترشح، لكن هذا الإصرار شكلّ مفاجأة بالنسبة إلى «القوات» التي كانت تفاهمت مع الاشتراكيين على تجيير هذا المقعد لحزب «الوطنيين الأحرار»، ما أدّى إلى فرملة المفاوضات بسبب تمسّك «القوات» بالمقعد لمصلحة «الأحرار»، مع العلم أنّ ثمة مقعداً مارونياً شاغراً لم يتمّ الاتفاق على أي ترشيح له.
في المقابل، فقد حجزت بقية المقاعد في الشوف لكل من تيمور جنبلاط، مروان حمادة، جورج عدوان، حبوبة عون (عن الاشتراكي)، وبلال عبد الله وسعد الخطيب عن المقعدين السنيّين بعد اعتكاف النائب محمد حجار عن الترشح.
في عاليه، لا تظهر خريطة الترشيحات والاحتمالات أي إشكالية، حيث تتّجه «القوات» لتسمية مرشح أرثوذكسي (الأرجح سيكون نزيه متى) إلى جانب مرشح ماروني، فيما سمّى «الاشتراكي» راجي السعد، إلى جانب أكرم شهيب. أما في بعبدا فسمّى «الاشتراكي» هادي أبو الحسن، وفي بيروت فيصل الصايغ. إلا أنّ دائرة البقاع الغربي تثير حساسية حيث يحاول «الاشتراكي» إقناع «القوات» بالاكتفاء بدعم اللائحة التي ستجمع وائل أبو فاعور ومحمد القرعاوي.