كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
في كل مرة يطلق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي موقفاً مدوياً وآخرها من مصر وما تمثله من عمق عربي، حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيّب، وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، يبدأ التشويش عليه وعلى علاقته بالفاتيكان ومدى رضى الكرسي الرسولي على توجهات رأس الكنيسة المارونية ولا سيما موضوع حزب الله، حيث يرفض البطريرك سلاح الحزب لأنه سلاح خارج الدولة والشرعية ويستخدم للهيمنة على البلد وقراره الحر.
واللافت أن التشويش الحالي على البطريرك الراعي جاء بالتزامن مع زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الفاتيكان، حيث أطلق مواقف لا تتلاقى مع تطلعات رأس الكنيسة المارونية، مقللاً من أهمية وجود خطر على المسيحيين في لبنان، وموحياً أن حزب الله هو أحد حماة المسيحيين في الشرق، ولا تأثير له على الواقع الأمني الداخلي للبنانيين كما صرّح لصحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية، الأمر الذي اثار استهجان كثيرين في بيروت، واعتبروا أن هذا الكلام الرئاسي عن حماية الحزب للمسيحيين يُفقدهم دورهم الوطني الذي بدأ مع تأسيس الكيان اللبناني، والشراكة مع باقي المكوّنات اللبنانية ويهدّد الهوية ويدفع بالمسيحيين في لبنان ليكونوا جزءاً من حلف الأقليات في المنطقة، وهذا أمر ترفضه بكركي، وما زيارة البطريرك الراعي في هذا التوقيت بالذات إلى جمهورية مصر العربية وإلى شيخ الازهر وجامعة الدول العربية إلا للتأكيد على العلاقة التاريخية التي تربط لبنان بعمقه العربي والخليجي، ورغبته في عدم عزل لبنان عن هذا المحيط، ونبذ التوترات وأي محاولة لجرّه ليكون طرفاً في صراع المحاور بدل رسالته كبلد محايد وملتقى للحوار بين الشرق والغرب.
وما يشير إلى التشويش على البطريرك الراعي وتوجهاته، ما صدر عن الإعلام المقرّب من حزب الله لجهة دعوة الفاتيكان لبكركي إلى محاورة الحزب باعتباره حزباً لبنانياً، في وقت نفت مصادر واسعة الاطلاع في بكركي، أن يكون الفاتيكان فاتح الصرح البطريركي بمثل هذا الأمر، وذكرت لـ”القدس العربي” أن “لا أساس لمثل هذه التحليلات المطلوبة والمأجورة التي تطالعنا عند كل محطة وطنية للبطريرك الراعي وعند كل زيارة خارجية ناجحة، حتى أن من نُسبت إليهم هذه المواقف في الكرسي الرسولي استغربوا كيف أن الاعلام في لبنان يتعاطى مع مساعيهم وتحركاتهم بهذا الشكل”.
لكن المصادر تستطرد: “كل هذا لا يلغي ضرورة قيام حوار جدي مسؤول يهدف إلى إخراج لبنان من معاناته بين كل مكوّنات الوطن على أسس واضحة لا تساوم على مقومات قيام دولة حقيقية”.
وما لم تقله مصادر بكركي، تولاه مقرّبون منها، حيث قال رئيس “لقاء سيدة الجبل” فارس سعيد: “حزب الله إيراني حاورناه فقتلنا وقتل لبنان، والفاتيكان لا يتلقى دروساً من أحد”. في وقت وجّه ناشطون مسيحيون عبر مواقع التواصل رسائل إلى البابا فرنسيس يتهمون فيها رئيس الجمهورية ميشال عون بأنه “سلّم البلد إلى حزب الله وفي عهده سقطنا كلبنانيين في نار جهنم. وجاع الشعب اللبناني وذلّ وفقّر وقُضي على سياحتنا واقتصادنا وعلاقاتنا الخارجية ودمّر لبنان”.
وردّ آخرون على موقف رئيس الجمهورية من حزب الله بسؤاله: “هل نظرت من نافذة سيارتك وأنت على طريق المطار إلى أراضي مطرانية بيروت المصادرة؟ وهل عرفت بوضع اليد على أراضي المطرانية في لاسا؟ وهل عرفت بوضع اليد على أراضٍ في جزين والبقاع الشمالي؟”.
وهكذا يبدو واضحاً التباين في القراءة والتوجهات بين رئيس الجمهورية الماروني ورأس الكنيسة المارونية، لدرجة قيام أوساط الرئاسة والتيار الوطني الحر بنوع من التحريض على البطريرك الراعي في الفاتيكان ومحاولة تلميع صورة حزب الله، في الوقت الذي يطرح البطريرك إشكالية سلاح الحزب في مصر والجامعة العربية.