كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
…وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة. هناك، في بريتال، لبنانيون يشعرون بكثير من الظلم والقهر والغضب، كما كل اللبنانيين، مع فارق أنهم ينامون، في ليالٍ كثيرة، تحت أضواء صواريخ الكاتيوشا وقذائف الـ «”ب7″»، متحسسين سخونة الجباه والرقاب خوفاً من طلقات طائشة، تتكرر، وكأن المنطقة في كرنفال موت دائم. هناك، في قرى بعلبك الهرمل (كما في الليلكي وأحياء كثيرة في الضاحية الجنوبية) بدأت تُرفع الشعارات الإنتخابية ومعها كثير من الرصاص. فأيّ طعمٍ هذا لانتخاباتٍ بنكهة الرصاص؟
«الوضع فلتان». كيفما سألنا أتى الجواب على هذا النسق. فأزير الرصاص عاد ليشعل فضاء بريتال وأرضها والسبب؟ خلاف بين عائلتين على قطعة أرض. وقبل أن يظهر السبب بان العجب وكثير من التحليلات المفعمة ببعض المزاح وفيها: «مرّت طائرة عدوة للتوّ فوق سماء بريتال ويتمّ التصدي لها بكل أنواع الأسلحة المدمرة». اللبنانيون اعتادوا أن «يتصدوا» لأزماتهم بالمزاح. فلا سبب آخر لكل هذا السلاح الذي استخدم في بريتال ليل الأحد سوى «مقاومة العدو المغير»! حصل ما حصل في بريتال مرة جديدة، ومن جديد طووا الصفحة وجرى تبويس اللحى وكأن شيئا لم يكن. لكن، ما أدرانا ما قد يحصل غداً أو بعد غد أو بعد أسبوع أو ربما بعد خمسين يوماً في الإنتخابات النيابية المقبلة؟ ماذا لو أطلقت الكاتيوشا أثناء فرز أقلام الإقتراع في مناطق يتغنى بعض من فيها بامتلاكهم فائض القوّة؟ وهل صحيح أن العشائر هي التي تختلف بين بعضها البعض؟ وما دور الثنائي الشيعي الذي لا تعبر برغشة في الأجواء بلا إذن منه؟
التعامل مع العشائر
لا يُخفى على أحد أن للمواطنين الشيعة في الجنوب حيثية عند «حزب الله» لا يتمتع بها شيعة البقاع. فالحزب هو من لعب، منذ تأسيسه، دوراً في تهميش البيئة العشائرية البعلبكية في بنيتها السياسية وحضورها وهو من قاد معارك مع بيوت شيعية بقاعية بينها بيت جعفر وهو كان يصر دائماً على أن يضم إليه، في فلكه، العائلات البعلبكية الصغيرة مستثنياً، عن قصد، العشائر الكبيرة. «حزب الله» إذاً همّش بدايةً العشائر وهذا ما كان يتجلى بوضوح في الإنتخابات النيابية حيث يضع لكل عشيرة حيزاً معيناً تتحرك في نطاقه وكأنه يقول لها، في شكل غير مباشر: هذه حدودك. وهذا ما خلق شعور بالدونية عند تلك العشائر سببه أن قيادة «حزب الله» هي دائماً جنوبية الهوى وتخلو من قيادات تنتمي الى بعلبك الهرمل. ما رأي إبن العشيرة الحمادية، إبن صبري حمادة، راشد صبري حمادة، في دوي القنابل في بعلبك الهرمل وكأننا في مزرعة لا في دولة؟ يجيب «ما يجهله كثيرون هو أن العشائر هي عبارة عن عائلات تتمتع بمواصفات وثوابت أخلاقية وكذلك بالقوة. بكلام آخر، العشيرة مثلها مثل حزمة الأغصان تتمتع بقوة حين تكون مجتمعة. إنها مثل الإطار الإحتياطي (spare tire) حين تفرط الدولة تتقدم العشيرة لتحمي ناسها» ويستطرد حمادة بالقول «هناك طبعاً في العشائر، مثل كل العائلات، جماعات «تحت» وجماعات «فوق»، وما يحصل أن «حزب الله» وحركة أمل يصران على التعامل مع من هم «تحت» واستخدامهم لمصلحتهما الخاصة. وكما تكونون يولى عليكم».
إنتاج وإخراج
نصل الى اللبّ. هل ما يتكرر، «من زمان وجاي»، في المناطق التي هي تحت سلطة من يتمتعون بفائض القوة المسلحة يتمّ بلا «قبة باط» من «حزب الله» وأمل؟
يجيب إبن صبري حماده: «إبن العشيرة «بيقوّص» إما ثأراً أو دفاعاً عن النفس أو عن العرض، بدليل أن أي من أبناء العشائر وافق أن يذهب مع «حزب الله» الى سوريا، ليُشارك في الحرب فيها. إبن العشيرة لا يدخل الى بيوت الناس. لذا، كل الإرتكابات التي تسمعون بها في بعلبك الهرمل ليست صنيعة أولاد العشائر الأصيلين بل من «صنَعتهم» الأحزاب التي تُمسك بالأرض. ما حدث (ويتكرر) من إخراج وإنتاج الثنائي الشيعي». هل سيترشح راشد حماده الى الإنتخابات النيابية المقبلة؟ يجيب: «لا، فأنا لم أسرق، ووالدي أيضاً، لذا لا أملك المال لأشارك في الإنتخابات». هل هذا يعني أنه سينتخب ولن يترشح؟ يجيب «لا، لن انتخب أيضا».
هناك، في بريتال، رفع أحدهم مقولة: «هل عَقِمت أرحام نساء الطائفة الشيعية». فماذا قصد بهذا الكلام؟ يجيب من الآخر: «فلقونا بالدكتور حسين الحاج حسن منذ 26 عاماً. والله العظيم تعب حرام خليه يرتاح بقا».
«حزب الله» وحركة أمل أعلنا أسماء مرشحيهما الى الإنتخابات النيابية المقبلة و99 في المئة منهم سيعودون. وما بين الإنتخابات المقبلة والأحداث الأمنية المتتالية والفقر والعوز والقلق والغضب يُمضي الناس الأيام.
هناك، في بريتال، مرشحان خارج سرب الثنائي الشيعي عن مقاعد بعلبك الهرمل الشيعية وهما: خضر حسين طليس وحسن مظلوم. نسأل الأول: ماذا حدث ليل الأحد في بريتال؟ لماذا كل ذاك الرصاص والهاون والكاتيوشا في السماء؟ هل صحيح أنهما كانا يطلقان النار (كما مازح بعض البريتاليين) على آل الملائكة؟ يجيب طليس «حصل خلاف على قطعة أرض فاشتعل الرصاص. وهذا يتكرر نتيجة قلة المحاسبة. وشاركت في الخلاف قذائف ب7. هناك من كان يتذرع بأنه لا يملك ألف دولار ثمن مازوت فدفع المبلغ مضاعفاً على إطلاق القذائف». من أين يأتي كل ذلك السلاح؟ يجيب طليس «أنتِ بلبنان. هناك جماعات تعطي السلاح. وهناك سلاح يأتي من سوريا وسلاح يُسرق من مستودعات الأحزاب في المنطقة. ويستطرد بالقول: «إذا كنتُ على سبيل المثال مشكلجياً وأشتغل في الممنوعات لن يكون صعباً عليّ أن أدفع ألف دولار ثمن القذائف التي أرد بها على من يزعجني».
كلامٌ كثير يتردد هناك عن «أن الكثيرين من «المشكلجيي» هم ممن يتعاطون أصلاً في الممنوعات ولا أحد يتجرأ على مواجهتهم لأن لهؤلاء التأثير الكبير في الإنتخابات». هنا نسأل خضر طليس عما إذا كان سيُضمّن برنامجه الإنتخابي وعداً بمواجهة أصحاب معامل الكبتاغون المنتشرة في المنطقة؟ يجيب: «لا، لن أتجرأ بدوري، كما كل الأحزاب، على ذلك».
السيّد راجع!
نبقى مع إبن طليس الذي يأبى أن يتوقف كثيراً عند «المعارك المتكررة» في بريتال وفي غيرها ربما لعلمه أن الدويلة في لبنان أقوى من الدولة. فماذا عن تحضيراته للإنتخابات المقبلة؟ وهل يعتقد أنه قد يخترق الحاجز االثنائي الشيعي الفولاذي؟ يجيب «رشحوا هم كلاً من حسين الحاج حسن وابراهيم الموسوي وايهاب حماده وعلي المقداد وغازي زعيتر أما المقعد السادس فهو «المقعد السوري» الذي يفرضه على الدوام السوري بالتنسيق مع الثنائي الشيعي، وسيكون بنسبة 100 في المئة لمصلحة جميل السيد، وذلك تحت ذريعة إختلاف حزب البعث بين علي حجازي وأبو جاسم (عاصم قانصو)، لذا سيكون جميل السيد المخرج».
ماذا عن وضع من تفلتوا من قبضة الثنائي؟ ماذا عن وضع خضر طليس نفسه؟ يجيب «أنا جد متشائم من إمكانية إحداث خرق».
يُخطئ من يستسهل التطورات التي تحدث اليوم، ويُدرجها في خانة المسائل المرحلية، فـ»حزب الله» لا يقوم بشيء عن عبث، فهو حزب أمني، عسكري، له بعد سياسي، وكل الممارسات التي ينتهجها لها مدلولات وأبعاد أمنية. ويحترف هذا الحزب لجم أي ظاهرة مستقلة تحاول التعبير عن نفسها بأي شكل من الأشكال. كان سيد «حزب الله» يصرّ دائماً على تظهير فائض القوة لديه حتى لكأنه قادر أن يصعد الى القمر ويحتل السعودية وينتصر على سوبرمان، وحتى حين صعد الى البقاع قال: أنا سأقاتل… لكننا عدنا وسمعناه ينادي، ذات يوم، أهل العشائر: أين أنتم، وهذه سابقة لم نعهدها في «حزب الله»، وهذه الحركة ليست أبداً عفوية. إذاً المسألة ليست استثارة عصب العشائر في الأمر ولا استنجاداً بهم، هو يحاول بهذا أن يسحب نفسه تدريجياً من إلتزامات وعد بها. لهذا كله قد نراه يمنح هنا أو هناك بعض المساحة المحددة لكن «الملقوطة» من فوق.
ويتجدد السؤال، هل يجوز، تحت أي حجة، إطلاق الرصاص والقذائف في مناطق محسوبة على الثنائي الشيعي ثم تبويس اللحى بحجة أن الأمور داخلية. فبأي دولة نعيش؟ يتذرعون أنها مسائل تحدث بين أهل العشائر؟ هؤلاء أنفسهم يتحدثون عن استخدام الأحزاب بعض الأشخاص لمصالح بحت شخصية، وإعطاء هؤلاء هامش حمل السلاح وإطلاق القذائف، وتغطية إرتكاباتهم. وكل ذلك و»الدولة» كوما.
أول البارحة، سألنا «بريتاليون»: ماذا حدث لديكم؟ أجابوا بمزاحٍ: «كان الشباب يحتفلون بعيد الأم»! ترى، ماذا لو سألنا الدولة عما حدث؟ فلنتركها في غيبوبتها.