كتب زياد سامي عيتاني في “اللواء”:
اللبنانيون المحاصرون بالأزمات والكوارث والمصائب الإقتصادية والإجتماعية والحياتية،بعدما أوصلت الطغمة المتحكمة برقابهم لبنان «الدولة والنظام والشعب والمؤسسات» إلىالإنهيار الشامل، يتعاطون مع الإستحقاق الإنتخابي المقرر في أيار (ما لم يُطح به) بكثيرمن البرودة واللامبالاة، رغم الحماوة التي تحاول تظهيرها وتأجيجها القوى السياسيةالمتصارعة على إثبات وتثبيت وجودها أو تعزيزه ببضعة مقاعد نيابية، لن تغير في الخارطة السياسية أو التوازنات القائمة قيد أنملة.
وما يزيد المشهد الإنتخابي بهتاناً الخفة المتنامية والخواء السياسي المستفحل من قبل فريقين سياسيين طالما ناديا بالسيادة ومكافحة الفساد وقيام الدولة المركزية القادرة على بسط شرعيتها على كامل الأراضي اللبنانية.
– الفريق الأول: شتات القوى المناوئة لحزب الله وحلفائه، لا سيما منها من رفض وتصدى بشراسة لربط النزاع معه، وإعتبر ذلك تنازلاً مجانياً، أتاح له مزيداً من الهيمنة والإمساك بمقدرات الدولة ومؤسساتها؛ حيث أنها تدخل الإنتخابات تحت شعار مواجهة مشروع الحزب مشتتة متصدعة، بعدما عجزت عن خوض الإنتخابات متوحدة متماسكة من خلال مشروع مناهض للحزب، يكون قادراً على التصدي لضمّ لبنان نهائياً إلى المحور الذي يشكّل ذراعه في لبنان، وبالتالي على تصحيح الخلل البنيوي في ميزان القوى المحلي،من الممكن من خلاله إستعادة القرار السيادي والمحافظة على هوية لبنان وإعادة ما إنقطع من علاقات مع عمقه العربي وعودة الثقة الدولية به.
فتغليب المصالح الزعاماتية على من يعتبرون أنفسهم «القوى السيادية»، والصراع على النفوذ والأحجام فيما بينها، إضافة إلى ضيق الأفق وصغر التفكير وقلة الحيلة، أجهض توجهاتها وصغّر دورها وقزمه، وجعل منها مجرد منتفخين بنرجسيتهم المتورمة الممتلئة باللاشيء!!!
– الفريق الثاني: فلول دعاة قادة ثورة تشرين، الذين فشلوا فشلاً ذريعاً في إستيعاب وقيادة الناس الذي ملأوا الساحات، تعبيراً عن أوجاعهم وآلامهم، ورفضهم للطغمةالحاكمة بكلّ أطيافها، متجاوزين كلّ أشكال الطائفية والمذهبية والمناطقية وكلّ أشكال الفئويات والإصطفافات، لتشكّل حالة شعبية عارمة وقوة تأثير جارفة، لو تمّ إستثمارها في الإتجاه الصحيح، لصاغت مساراً تغييرياً تصحيحياً، مكوّنة قوة ثالثة قادرة أن تفرض نفسها، لإحداث التغيير المرتجى لإنقاذ الوطن من السقوط المحتم، والمؤجل إعلانه.
إلّا أن من نصّبوا أنفسهم قادة لتلك الإحتجاجات العفوية والنقية، ممن ركبوا موجتها وإحتكروا تمثيلها والتحدّث بإسمها، ما لبثوا أن تحولوا بإستئثارهم وطموحاتهم وبسرعة فائقة إلى أشباه وتتمة للطغمة الحاكمة وإن يكن بـ«لوك» جديد، خصوصاً بعدما إنكشفت «أجندات» الكثير منهم وإرتباطاتهم بجهات محلية وخارجية(!) فشوّهت ثورة تشرين وأفرغت من مضمونها ونقاوتها، وفقد قادتها الشرعية الشعبية، بعدما إبتلعتهم أنانياتهم الإنتهازية، التي تجلت في أبهى صورها (بالأبيض والأسود) بتهافتهم على الترشّح للإنتخابات النيابية فرادة، كلّ واحد منهم و/أو مجموعات صغيرة منهم يبحثون عن لوائح تضمّهم، (إلا من بقي منهم على مبدئيته)، بدلاً عن تشكيل لوائح مستقلة في سائر الدوائر الإنتخابية، تعبّر عن نبض ثورة تشرين!
إزاء هذا الواقع، باتت المعركة الإنتخابية غير متكافئة، ومحسومة النتائج سلفاً حتى قبل خوضها، فثمة فريق قوي متماسك ومتين يملك رؤية واضحة وبرنامج جلي وصريح،في مواجهة قوى مشتتة متبعثرة مربكة متناحرة، مما سيفقد المعركة الكثير من حماسة الإقتراع، لا بل المقاطعة والإحجام لدى شرائح واسعة من اللبنانيين بمختلف إنتماءاتهم السياسية والطائفية، لقناعتهم المسبقة بعدم جدوى مشاركتهم التي لن تحدث التغيير المطلوب، لا بل على العكس ستُطفي غطاءً شرعياً على الأمر الواقع القائم، بانتظار معرفة مصير لبنان الوطن والكيان والنظام والجغرافيا السياسية، إلى حين نضوج التسويات الإقليمية المؤجلة.