كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
قطعت القوى السياسية المعنية بالمعركة الانتخابية في دائرة طرابلس – الضنّية – المنية (11 مقعداً نيابياً) شوطاً على طريق وضع اللمسات الأخيرة لأسماء المرشحين على لوائحها تمهيداً لتسجيلها لدى وزارة الداخلية والبلديات ما يتيح لها إطلاق حملاتها الانتخابية التي يُفترض أن تتصدّرها حتى الساعة 4 لوائح بعضها مكتملة والأخرى ناقصة، على أن تنضم إليها لائحة خامسة تتزعّمها المجموعات المنضوية تحت لواء المجتمع المدني، في حال توصلت إلى اتفاق يجمعها في لائحة واحدة وإلا ستتوزّع على لوائح أخرى.
وإلى أن يحسم المجتمع المدني أمره فإن الانتخابات في هذه الدائرة، التي تعتبر ذات الثقل السنّي الأول في لبنان (8 مقاعد)، تشهد منافسة ساخنة غير مسبوقة تدور بين لائحة مدعومة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي برغم أنه عزف عن الترشُّح لخوض الانتخابات تكراراً لموقفه الذي اتخذه عام 2005 أثناء تولّيه رئاسة الحكومة التي أوكل إليها الإشراف على إجراء الانتخابات النيابية بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وبين لائحة ثانية يتزعّمها تحالف فيصل كرامي وجهاد الصّمد وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) وتيار «المردة»، وثالثة برئاسة نائب رئيس تيار «المستقبل» المستقيل مصطفى علوش بتحالفه مع الوزير السابق أحمد فتفت، ورابعة تتشكّل مبدئياً من تحالف الوزير السابق أشرف ريفي وحزب «القوات اللبنانية».
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر طرابلسية بأنه جرت محاولة تولاها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة مع الرئيس ميقاتي ليرعى الأخير تشكيل لائحة توافقية بالتفاهم مع علوش، لكنها لم تحقق النتائج المرجوّة منها وتقرر إطلاق المنافسة الحبّيّة من دون أن يترتب عليها تداعيات سلبية.
وقالت المصادر الطرابلسية إن علوش لم يشارك في لقاء ميقاتي – السنيورة الذي حضره فتفت، وإنه واكب الأجواء التي سادته من دون أن يتدخّل ولو بالواسطة، وكشفت أن ميقاتي التقى أيضاً أمين عام تيار «المستقبل» أحمد الحريري ورئيس جمعية «التنمية» في بيروت أحمد هاشمية، ولم تُعرف الدوافع التي أملت عليهما لقاء رئيس الحكومة، برغم أن زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري كان أعلن عزوفه عن خوض الانتخابات.
ولفتت إلى أن النقطة الوحيدة التي كانت موضع تلاقٍ بين ميقاتي والسنيورة تتعلق بعدم التعاون مع ريفي، وهي انسحبت على اللائحة التي يشكّلها علّوش بالتفاهم مع فتفت، وقالت إن التواصل حصل بين علوش وريفي وانتهى إلى التوافق على الافتراق انتخابياً، وعزت السبب إلى رغبتهما بعدم الاحتكاك بالتيار الأزرق وجمهوره في هذه الدائرة الانتخابية، وهذا ما يفسّر استبعادهما للتحالف انتخابياً مع ريفي حرصاً منهما على عدم الدخول في تحدٍّ مع الحريري يؤدي إلى صدام سياسي.
وتوقّفت المصادر نفسها أمام موقف «المستقبل» من علوش الذي كان التقى سابقاً «الأحمدين» الحريري وهاشمية، وقالت إن اللقاء أدى إلى وقف حملات «التخوين» التي استهدفت علوش عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل مناصرين ومحازبين محسوبين على التيار الأزرق، خصوصا أن «الأحمدين» أبلغاه بأن لا علاقة لقيادة التيار بهذه الحملات وهي باقية على تقديرها واحترامها له.
وكشفت أن علوش لم يقرّر خوض الانتخابات بحثاً عن مقعد نيابي، وإنما لأن هناك ضرورة بعدم إخلاء الساحة لمحور الممانعة وحلفائه، في إشارة إلى كرامي وشركائه على اللائحة، ونقلت عنه ارتياحه لرد الفعل حيال إصراره على خوض المعركة لقطع الطريق على من يتحالف مع محور الممانعة. كما كشفت عن لقاء عُقد بعيداً عن الأضواء بين علّوش وفتفت من جهة، وبين موفدين اثنين يمثّلان حزب «القوات» النائب عماد واكيم ومسؤوله في طرابلس جاد رميان، وقالت إنه عُقد منذ حوالي أسبوعين بضيافة فتفت، لكنه لم ينته إلى نتائج يراد منها أن يجيب «القوات»، كما وعد، على الهواجس التي طرحها فتفت وعلوش وأبرزها الموقف من الحريري، خصوصاً أن رئيس الحزب سمير جعجع هو من بادر إلى التهجُّم عليه، وقالت إن الرهان يبقى على استنهاض الشارع لرفع منسوب المشاركة في الانتخابات.
وإذ أكدت المصادر أن علوش وميقاتي افترقا بلا خصام، قالت إن نواة اللائحة المدعومة من رئيس الحكومة تضم حتى الآن كريم محمد كبّارة، وهيب الططر، وأليسار حداد عن السنة، وقيصر خلاّط (أرثوذكس)، وسليمان جان عبيد (ماروني)، وعلي درويش (علوي)، وعن المنية كاظم الخير، على أن يضم إليها عددا من المرشحين. وفي المقابل فإن نواة لائحة علّوش تتشكّل من ربى دالاتي، ونبيل الأحمد عن السنة، وبدر عيد (علوي)، وجميع هؤلاء عن طرابلس، وهو يعمل حالياً على جوجلة الأسماء لاختيار بقية أعضاء لائحته عن السنة والأرثوذكس والموارنة.
كما أن تفاهم علّوش والوزير السابق فتفت أدى إلى حسم أسماء المرشحين، وهم سامي فتفت، وعبد العزيز الصمد (الضنّية)، وأحمد علم الدين الدروبي أو أحمد الخير (المنية) مع احتمال استبدالهما بالنائب الحالي عثمان علم الدين في حال تأمّن له الغطاء السياسي للترشُّح باعتبار أنه ينتمي إلى «المستقبل»، لأن علوش وفتفت ليسا في وارد افتعال إشكالية مع «التيار الأزرق»، وهذا ما سيتقرّر في الساعات المقبلة.
وعلى صعيد التحالف مع الجماعة الإسلامية في طرابلس، فإن الفرصة ما زالت مواتية في حال أن الجماعة قررت الانضمام إلى اللائحة التي يرعى السنيورة تشكيلها في بيروت، خصوصاً أنه على تواصل مع قيادتها والتقاها أمس لهذا الغرض في محاولة أخيرة للوقوف على قرارها النهائي.
وبالنسبة إلى تحالف كرامي – الصمد – «الأحباش» – «المردة»، فإن نواة اللائحة ستتشكّل إضافة إلى كرامي عن طرابلس من طه ناجي، وأحمد الأمين عن السنة، وجورج شبطيني (ماروني)، ورفلة دياب (أرثوذكسي)، على أن يستكملها بضم مرشحين آخرين عن السنة والعلويين، آخذاً بعين الاعتبار مراعاة حليفه النظام السوري في اختياره للمرشح العلوي، وعن الضنّية جهاد الصمد الذي يترك له الحرية في اختيار المرشح الثاني، إضافة إلى المرشّح عن المنية، فيما بات التحالف بين ريفي و«القوات» محسوماً بتعاونه مع مرشّحه إيلي خوري عن المقعد الماروني في طرابلس وبلال هرموش عن أحد المقعدين عن الضنّية، على أن يجري حالياً المفاضلة لاختيار المرشحين الآخرين.
لذلك فإن المشهد الانتخابي في هذه الدائرة أوشك على أن يكتمل، ويبقى على الحراك المدني بأن يقول كلمته، وهو يقف الآن أمام تحدٍّ لاختبار مدى قدرته على التوحُّد في لائحة واحدة بدلاً من أن يتوزّع على عدة لوائح تفتح الباب أمام تشتيت الأصوات المؤيدة له ويضطر لخوض المعركة بغية إثبات وجوده من دون أن يترجمه في إيصال من يمثّله إلى الندوة البرلمانية.