تثار تساؤلات حول إمكانية إشعال كوريا الشمالية منطقة شرق آسيا، بعد تزايد تجاربها العسكرية في الأسابيع الماضية.
وأطلقت كوريا الشمالية، الخميس، مقذوفا يشتبه في كونه صاروخا باليستيا باتجاه البحر، حسبما أعلنت كل من كوريا الجنوبية واليابان.
وتعد هذه الجولة الثانية عشرة من إطلاق الأسلحة لكوريا الشمالية هذا العام، وتأتي بعد أن أطلقت ما يشتبه في أنه قطع مدفعية في البحر يوم الأحد الماضي.
وتملك الدولة الآسيوية النووية ترسانة عسكرية وصاروخية كبيرة، خاصة صواريخ باليستية وفوق صوتية وعابرة للقارات، يصل مداها لآلاف الكيلومترات، ويمكن تزويدها برؤوس نووية.
ويبدي مراقبون، على ضوء هذه التجارب الكورية الشمالية، خشيتهم من أن تنعكس التجاذبات الدولية حول الأزمة الأوكرانية، سلبا على العديد من مناطق وبؤر التوتر التقليدية حول العالم، وتسهم في إطلاق العنان لسباقات تسلح جديدة تزيد المشهد الدولي تعقيدا وتأزما، كما هي الحال في شبه الجزيرة الكورية.
وعن احتمالات اندلاع مثل هذه التوترات، قال رئيس مركز صقر للدراسات مهند العزاوي، إن “كوريا الشمالية لم تهدأ ولم تتوقف، منذ وصول جو بايدن للبيت الأبيض، عن إجراء التجارب الصاروخية النووية وفوق الصوتية، وتحديث الثالوث النووي الذي تمتلكه عبر تطوير أدواتها الناقلة والحاملة لأسلحتها النووية من صواريخ برؤوس نووية وغواصات وقنابل نووية تطلق من الطائرات”.
وأضاف الخبير العسكري الاستراتيجي لموقع “سكاي نيوز عربية”: “التقارب الروسي الكوري الشمالي يتصاعد بشكل ملحوظ نوعا ما، وينعكس في مواقفهما المتناغمة خاصة حيال الأزمة الأوكرانية، حيث إن الدعم العسكري الغربي والأطلسي الواسع لكييف رغم كونها ليست دولة عضوا في حلف شمال الأطلسي الناتو، ولا حتى عضوا في منظومة الاتحاد الأوروبي، يدفع بيونغيانغ بلا شك نحو تكثيف تناغمها مع كل من موسكو وبكين، والذهاب حتى نحو تشكيل ما يشبه معسكرا شرقيا في مواجهة المعسكر الغربي”.
وبحسب العزاوي فإن “التسليح الكوري الشمالي وتطوير قدرات الدولة النووية العسكرية، بغض النظر عن الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته عالميا، استراتيجية ثابتة لدى بيونغيانغ ومن أسس عقيدتها الردعية والهجومية، وهو منهج لا يتأثر عادة بالمتغيرات والأزمات الدولية، لكن ما يجري حاليا على مسرح العمليات الأوكراني من حرب طاحنة وصراع حاد بين موسكو والغرب، ومن دعم أطلسي لكييف، سينعكس على تقارب كوريا الشمالية أكثر مع روسيا واصطفافها لجانبها، في مواجهة الضغوط الغربية المتصاعدة على وقع استمرار الحرب في أوكرانيا”.
ومن جهة أخرى، يرى الكاتب والباحث السياسي جمال آريز، أن “الحروب عالمية الطابع مثل الحرب الروسية الأوكرانية، تقود نحو سباقات تسلح مجنونة حول العالم، وتكثيف كوريا الشمالية لتجاربها الصاروخية ليس بمعزل عن ذلك، حيث إن المناخ الدولي العاصف على وقع الأزمة الأوكرانية ينبئ أن القادم أسوأ إن لم يتم تدارك ما يحدث، وتغليب لغة العقل والسلام، ومراعاة مصالح ومخاوف كافة الأطراف المتنازعة”.
وأوضح آريز لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “المثير للقلق أننا حيال لوحة صراع معقدة وقاتمة جدا بين قوى وأطراف دولية تملك ترسانات نووية قادرة على تدمير كوكب الأرض ككل، ورغم أن الجميع يدرك خطر وهول ذلك فإنه مع تصاعد نبرات التحدي والمكابرة وتبادل الاتهامات والعقوبات، أي احتكاك عسكري ولو عرضي مثلا بين القوات الروسية والأطلسية، قد يشكل شرارة بدء حرب عالمية نووية مدمرة”.
وأجرت كوريا الشمالية مؤخرا عددا كبيرا من اختبارات الأسلحة المختلفة، وذلك بعد أن كانت ملتزمة بوقف ذاتي لاختبار الصواريخ العابرة للقارات والأسلحة النووية، مع بدء زعيمها كيم جونغ أون سلسلة خطوات دبلوماسية وتفاوضية مع واشنطن، تكللت بلقائه مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018، إلا أن المباحثات انهارت لاحقا وتعطلت المساعي الدبلوماسية.
وأجرت بيونغيانغ تجربتين في منطقة قريبة من العاصمة في الأسابيع الأخيرة، قال الجيشان الأميركي والكوري الجنوبي لاحقا إنهما تشتملان على مكونات أكبر صاروخ جوي عابر للقارات في كوريا الشمالية “هواسونغ 17″، وهو نظام جديد من الصواريخ العابرة للقارات لم يطلق من قبل.
وكشفت كوريا الشمالية عن صاروخ “هواسونغ 17” للمرة الأولى محملا على عربة من 22 عجلة، خلال عرض عسكري في أواخر عام 2020.
ويطلق المحللون العسكريون على “هواسونغ 17” لقب الصاروخ “العملاق” أو “الوحش”، الذي يعد نسخة مطورة من صاروخ “هواسونغ 15″، وهو قادر على حمل عدة رؤوس حربية، ما يجعل من اعتراضه مهمة صعبة.
ويرى خبراء أن الوتيرة السريعة وغير المعتادة لكوريا الشمالية في نشاط التجارب مؤخرا، تؤكد هدفها المزدوج المتمثل في تطوير أسلحتها وممارسة الضغط على واشنطن، بشأن التجميد الشديد للمفاوضات النووية.