Site icon IMLebanon

اقترع على هذا الأساس اذا أردت التغيير (بقلم ريمون أبي تامر)

مع اقتراب موعد الإنتخابات انطلقت الحملات وبدأت معها الأساليب التقليدية التشهيرية ورمي الإتهامات وزادت الوعود من سدود إلى إعادة الأموال المنهوبة إلى تجديد النظام لتحقيق لبنان أفضل وجديد، وانتقلنا من مرحلة الزفت الإنتخابي في التسعينات إلى مرحلة حملات تشويهية ممنهجة.

ومع هذه الأساليب البالية والرخيصة، على الجميع إعادة حساباتهم ان من جهة الأحزاب التي لم تحسم حتى اليوم حقيقة واقع خسارتها أو حتى تقدمها أو من جهة أخرى الشعب الذي يقبع في حال من الضياع بين البعد التاريخي لإنتمائه وبين صعوبة الأزمة التي يعيشها. ومن هذا المنطلق سنحاول أن نرسم معيارًا يساعد الناخب في حسم قراره علما أننا لا ندعي الحل المطلق في هذا المقال انمّا مجرّد محاولة آملين أن يتحقق تغيير ما .

غالبًا ما يصنّف الكلام السياسي وفق ثلاثة أصناف:

يمتاز النوع الأوّل في الحديث السياسي انطلاقًا من تمجيد الشخص فيؤلّه الزعيم و يُرفعه عن الطبيعة الإنسانية و يُصبح غير قابل للخطأ، ويصبح الزعيم مطلق المعرفة من التكنولوجيا وعلم الذرة وصولًا الى الإستراتيجيات الإقتصادية و الخطط العسكرية بينما في المقابل يتم نبش تاريخ الخصم السياسي وأخطائه لا السياسية وحسب انما حتى العائلية و الشخصية فلا رادع للتشهير ولا الإساءة الكلامية، وهنا يكون الأسلوب ماكيافيلليا بامتياز وبراغماتيا عميقا على أساس الغاية تبرّر الوسيلة.

انّ هذا المستوى من التعاطي خطير لأنه يرسخ مفهوم التعبّد للزعيم مجدِّدًا صرخة “بالروح بالدم نفديك يا زعيم”.

أما النوع الثاني من التعاطي السياسي فهو يأخذ الطابع الخدماتي كتسهيل رخص البناء أو غض النظر عنها، وهنا تدخل الحنكة اللبنانية في الإستفادة من الزعيم لتحقيق أبسط حقوقها عوض أن تأخذها من الدولة مباشرة. ان هذا النوع غير ثابت وهو متقلّب بحسب المصلحة والخدمة . وهنا يتحول الحديث عن خدمات الزعيم وليس شخصه “كيف زفت لنا الحارة أو الحي و كيف ساهم بإدخال قريبٍ لنا في السلك العسكري أو حتى ( صار يخدم عالدوام)”. و يتفاخر الناخب بخدمات الزعيم كما يتفاخر أيضًا بحنكته الشخصية و كيف هو استفاد و ساهم في تحقيق هذه المطالب.

وأخيرا النوع الثالث الذي يعتمد على المبادىء السياسية التي قل ما يتم التداول بها في لبنان. وهنا لا نتكلّم عن الخطاب الشعبوي انمّا عن مبادىء سياسية حقيقية وخطوط مبدئية واضحة كالإشتراكية أو الليبرالية أو العلمانية أو اليمين المحافظ إلخ… وهذا النوع من الحديث السياسي هو الأرقى والأفضل حيث يكون الحوار قائمًا على أساس العقل والمنطق والبراهين.

ولكن كيف يمكننا أن نستخلص من هذه الأنواع معيارًا للإنتخابات ؟

المسألة ليست معقدة أبدًا. نأخذ مبادىء الزعيم التي يقولها و يناشد بها ونرى أفعاله ان كانت تتشابه مع مبادئه، أي أن تكون أقواله تطابق أفعاله.

وعندها يكون المعيار مبادىء الشخص وما اذا كان يترجمها بالأفعال. وهنا، اذا أردنا أن نطبق هذا المعيار على مطلق أي حزب لبناني موجود هل ينجح؟

والسؤال الأهم هل نجرؤ على هذه الخطوة ؟ خطوة بسيطة واضحة شفافة تساعدنا على بناء قرار حرّ. فاذا طبقنا هذه المعادلة وأعدنا حساباتنا من جديد عندها فقط تصبح الإنتخابات وسيلة حقيقية للتغيير والمحاسبة علما أنّ هذه المعادلة لا تطال فقط الزعيم كشخص انما أغلب الأحزاب الموجودة على الساحة اللبنانية.

وفي الختام، المطلوب اليوم ضرورة الوعي السياسي على أن يندرج في إطار عقلاني نقدي لا يخشى السؤال ولا الشك ولا يؤلّه أحدًا. فالتغيير يبدأ بالمحاسبة استنادًا إلى معايير واقعية و ظاهرة على أمل أن يتحقق هذا التغيير في صناديق الإقتراع.