يبدو أن لبنان واللبنانيين أمام فرصة قد تكون الأخيرة لناحية ضرورة حسم خياراتهم الإقليمية، بما يعني رسم صورة بلدهم ونمط حياتهم لـ50 سنة مقبلة على الأصعدة السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية.
في ظل صورة إقليمية متغيّرة بسرعة غير مسبوقة، وفي ظل معطيات متبدّلة تبدأ مع التطبيع العربي- الإسرائيلي مروراً بزيارة بشار الأسد إلى الإمارات وليس انتهاء باصطفاف المعسكر العربي- الإسرائيلي في مواجهة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، يقف لبنان على مفترق طرق أساسي لن ينفع الندم بعده، وخصوصاً مع واقع التحالفات التي تترتب في المنطقة على أسس تصدير النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط.
ثمة واقع في الداخل اللبناني لا يمكن إنكاره، وهو أن محور إيران يتقدّم بالنقاط بالاعتماد على 3 عوامل:
ـ أولاً، سلاح “حزب الله” الذي يهيمن على مفاصل الحياة السياسية والقرارات الأساسية في لبنان، كما على سياساته الخارجية.
ـ ثانياً، تشرذم خصوم “حزب الله” ما أتاح للحزب أن يربح عليهم ويأخذهم “بالمفرّق” بعدما استحال عليه الربح يوم كانوا موحّدين.
ـ ثالثاً الانسحاب العربي والخليجي تحديداً من لبنان ما أفرغ الساحة بالكامل لإيران وحلفائها.
هذه الوقائع أدت بشكل مباشر إلى الانهيار الشامل في لبنان مالياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وخصوصاً أن الانخراط الخليجي في لبنان كان يؤمّن للبنان، قبل العام 2013، ما بين 6 إلى 8 مليار دولار من السياحة والاستثمارات الخليجية سنوياً، وهذا الرقم يفوق بأضعاف ما ينتظره اللبنانيون من صندوق النقد، أي فقط أقل من 4 مليارات دولار مقسطّة على 4 سنوات!
لماذا يقف لبنان على مفترق طرق أساسي لن ينفع بعده الندم؟ بكل بساطة لأن دول الخليج العربي قررت منح لبنان فرصة قد تكون الأخيرة، وذلك من خلال الترحيب ببيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والتوجه لعودة السفيرين السعودي والكويتي إلى بيروت، بانتظار ترجمة النوايا اللبنانية إلى أفعال. وفي هذا الإطار يمكن فهم الزيارة العاجلة لوزير الخارجية افيراني حسين أمير عبداللهيان، لمحاولة احتواء مبكرة للخطوات الخليجية، ولتأكيد إحكام وضع اليد الإيرانية على بيروت.
ولكن على اللبنانيين اليوم ان يختاروا ما بين العودة إلى الحضن والمحور العربي، بما يعني ذلك ضمناً من انتعاش مالي واقتصادي واجتماعي وعودة الحياة إلى شرايين الدولة اللبنانية المتهالكة، والانضمام إلى نادي الدول المصدرة للنفط والغاز ضمن ائتلاف يرفع من شأن لبنان على كافة الصعد، وما بين الالتحاق الكامل بالمحور الإيراني بما يعني بشكل مباشر الخضوع للاحتلال الإيراني الكامل عبر “حزب الله” والعيش في جهنم مالي واقتصادي واجتماعي للعقود المقبلة تماماً كما يعيش الشعب الإيراني، والإمعان في التخلف والخروج من الحضارة بفعل غياب الكهرباء والانترنت والطبابة والاستشفاء والتعليم والمواصلات… وسعي الأكثرية الساحقة من اللبنانيين إلى الهجرة!
على اللبنانيين أن يقتنعوا بأن أحداً لن يساعدهم ما لم يساعدوا أنفسهم ويبادروا إلى اتخاذ القرار بمواجهة المشروع الإيراني في لبنان والذي يجسّده “حزب الله” بالكامل. ويكفي أن يعوا حجم التضليل الذي تمارسه طهران وحزبها في بيروت، من خلال المثال على العرض الكهربائي للتضليل الفعلي. فما يحتاجه لبنان اليوم ليس محطتي كهرباء كل منها بقدرة 1000 ميغاواط، ففي لبنان معامل كهرباء تستطيع أن تنتج ما لا يقل عن 1800 ميغاواط لكنها متوقفة عن العمل بسبب عدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان، ومن خلفها الحكومة اللبنانية، على شراء الفيول أويل والغاز لتشغيل هذه المعامل، وتكتفي بتأمين ساعتين من التيار الكهربائي من هبة الفيول العراقي. هذا يعني أن ما نحتاجه هو الفيول أو الغاز أو المازوت وليس معامل كهرباء للديكور. وللتذكير فإن إيران يوم أرسلت المازوت تهريباً إلى لبنان باعته إلى اللبنانيين عبر “حزب الله” وقبضت ثمنه ولم تقدمه كهبة مجانية!
كل الأمل في أن يحسن اللبنانيون التصرّف ويحسموا خياراتهم قبل فوات الأوان…