وسط حالة الغموض التي تكتنف تحرك الميليشيات الإيرانية في سوريا منذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا قبل شهر، والذي تمثل في سحب مئات العناصر من سوريا إلى العراق، وإعادة تموضع العديد من الميليشيات بين باديتي دير الزور والرقة، فضلاً عن إرسال تعزيزات إلى بعض المحاور التي كانت تشغلها قوات موالية لروسيا، بدأت ميليشيات إيرانية، يوم السبت، تدريبات مفاجئة على استخدام الطائرات المسيرة في بادية التبني في دير الزور من دون معرفة أسباب هذا التدريب وغاياته في هذا التوقيت.
وانطلقت التدريبات، بحسب مصادر إعلامية سورية معارضة، بإشراف الحرس الثوري الإيراني، وشمل التدريب عناصر من ميليشيات عدة (“حزب الله” ولواء “فاطميون” وحركة “النجباء”)، أفراداً وقيادات، لتعليمهم تحريك الطائرات المسيرة واستخدامها خلال الفترة المقبلة.
واستقدمت الميليشيات 10 طائرات مسيرة (إيرانية الصنع)، من مستودعات مدينة تدمر وسط البادية السورية، قبل يومين، وباشرت تجهيزات التدريب يوم الجمعة، وانطلق صباح السبت التدريب فعلياً، وفق ما نقل موقع “عين الفرات” نقلاً عن مصادر وصفها بالخاصة.
وأضاف المصدر أن تحركات غريبة صاحبت هذا التدريب، وفرض طوق أمني كامل على محيط بلدة التبني خاصة، وريف دير الزور الغربي الخاضع لسيطرة الجيش السوري عموماً، من الميليشيات الإيرانية، لتأمين عملية التدريب.
وهذه المرة الأولى التي ترد فيها معلومات عن إنشاء إيران مركزاً تدريبياً على الطائرات المسيرة منذ قيام إسرائيل بقصف مركز تدريبي في محيط مطار “التيفور” العسكري في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي.
وفي أعقاب هذه الغارة، سارعت قيادة الحرس الثوري في سوريا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل حماية منظومة الطيران المسيّر التي أدخلتها إلى سوريا بجهود شاقة، وفي ظل ظروف خطرة للغاية نتيجة ترصد الطيران الإسرائيلي لكل حركة من حركاتها.
وأفادت المعلومات في حينه بأن الميليشيات نقلت طائرات مسيّرة نحو مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص الجنوبي، بالتنسيق مع القوات السورية.
وكانت مصادر في “وحدات الرصد والمتابعة” التابعة للمعارضة السورية، قد أكدت في وقت سابق من العام الماضي، أن 12 طائرة مُسيّرة إيرانية من نوع “مهاجر” وصلت إلى سوريا على 4 دفعات، ونُقلت بطائرات شحن من طراز “يوشن” من طهران إلى مطار “التيفور” شرق محافظة حمص الذي يسيطر عليه النظام بالاشتراك مع الميليشيات الإيرانية. وأضافت المصادر ذاتها أن كل شحنة كانت تحمل 3 طائرات، بالإضافة الى ذخائر وقنابل خاصة بها.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن 6 طائرات مسيّرة تمركزت في مطار “التيفور”، وثلاث طائرات في مطار الشعيرات الذي تشغله أيضاً القوات الإيرانية، بالإضافة الى نقل ثلاث طائرات أخرى إلى مطار حماة العسكري، الذي أنشأت القوات الإيرانية، خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، غرفة عمليات لها داخله.
ورغم أن ميليشيات إيران في كل من العراق واليمن ولبنان باتت تتمتع بقدرات نوعية على صعيد الطائرات المسيرة، إلا أن الوضع مختلف تماماً في سوريا التي لم تشهد توسعاً إيرانياً في استخدام هذه التقنية العسكرية. وقد يعود السبب إلى أمرين: الأول هو سيطرة روسيا على المجال الجوي فوق المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق، والثاني الضربات الإسرائيلية التي لا شك في أنها تلعب دوراً كبيراً في عرقلة أي محاولة إيرانية لإدخال الطائرات المسيرة أو استخدامها.
ومع ذلك يبدو أن إيران نجحت، على الأقل، في فتح ثغرة تمكنت من خلالها من وضع نواة لمشروع طائرات مسيرة في سوريا، وهذا ما تدل إليه المعسكرات التدريبية التي تنشئها لتدريب عناصرها على استخدام هذه الطائرات، رغم التحديات التي تواجهها.
وقد كشف تقرير سري، نشر أواخر العام الماضي، عن شراء إيران مكوّنات طائرات مسيرة من دولة أجنبية، وبيعها إلى الميليشيات في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
ووفقاً للتقرير الذي حصل عليه مجلس المقاومة الإيرانية من مصادر داخل الدولة، ونشرته صحيفة “ذا صن” البريطانية، فإن طهران تصدّر المسيرات بعد تركيبها إلى ميليشياتها لتنفيذ ضربات إرهابية على أهداف غربية.
وقد أثار المعسكر التدريبي الأخير في بادية التبني خشية التحالف الدولي الذي سارعت طائراته إلى مسح منطقة دير الزور الغربي، بالتزامن مع تجهيزات الميليشيات لعملية التدريب على الطائرات.
وتعرضت قاعدة التحالف الدولي في “التنف” السورية القريبة من الحدود العراقية – الأردنية، خلال نهايات عام 2021 إلى هجمات عدة من طائرات من دون طيار، لم تعرف الجهة المسؤولة عنها، وكانت هذه الهجمات متزامنة مع قصف التحالف الدولي وإسرائيل مواقع إيرانية ونقاط تسليح، على امتداد الأراضي السورية. ولكن صحيفة “نيويورك تايمز” كشفت أن الطائرات التي هاجمت قاعدة “التنف” تعود إلى مجموعات تابعة لإيران.
كذلك استخدمت إيران مسيراتها في قصف مطار بغداد، انتقاماً لمقتل قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في عملية خاطفة على الأراضي العراقية برفقة نائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي” العراقي أبو مهدي المهندس التابع أيضاً لإيران وميليشياتها.