جاء في “العرب اللندنية”:
لا تبدد المساعدات الغذائية للجيش اللبناني المخاوف من انهياره، وما سيترتب على ذلك من انفلات أمني يقول مراقبون إنه يخدم أجندات حزب الله، الذي يمتلك ميليشيات تفوق قدراتها اللوجستية والمالية قدرات المؤسسات الأمنية اللبنانية.
ووصلت إلى مرفأ بيروت الخميس سفينة شحن عسكرية تركية تحمل 80 طنا من المساعدات الغذائية للجيش اللبناني، كما تعهدت دولة قطر أيضا بتوفير مواد تموينية للجيش اللبناني لمدة عام.
وتقول دوائر سياسية لبنانية إن توفير المواد التموينية للجيش اللبناني خطوة قد تؤجل انهياره ولا تبدده، منتقدة قصور الخطط الحكومية في الاستجابة لنداءات قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون المتكررة.
وتشير هذه الدوائر إلى أنه إضافة إلى التقصير الحكومي في تلبية حاجيات الجيش، المدفوع بأزمة اقتصادية ومالية حادة، لم تغادر القوى الغربية مربع التلكؤ في الاستجابة لضروريات المرحلة الراهنة، رغم أنها تعتبر تحييد المؤسسة العسكرية اللبنانية عن الأزمة الاقتصادية أساسيا لاستقرار لبنان.
وينظر الغرب إلى الجيش اللبناني على أنه مؤسسة تمثل نموذجا نادرا يجسد الوحدة والفخر الوطني. وأدى انهيار الجيش في بداية الحرب الأهلية، عندما انقسم وفقا لانتماءات طائفية، إلى تسريع انزلاق لبنان نحو سيطرة الميليشيات.
خبراء غربيون ولبنانيون يطالبون بتسريع المساعي الدولية لتوفير تمويل مباشر لرواتب العسكريين والأمنيين، وهي مطالب لم يتبنها المجتمع الدولي إلى حد الآن
ويخشى المجتمع الدولي من أن تتسبب الأزمة الاقتصادية الحادة في تفكك الحصن الأخير لأمن اللبنانيين، في ظل أجندات داخلية وخارجية تتربص باستقرار البلاد.
ويطالب خبراء غربيون ولبنانيون بضرورة تسريع المساعي الدولية لتوفير تمويل مباشر لرواتب العسكريين والأمنيين، وهي مطالب لم يتبنها المجتمع الدولي إلى حد الآن لاعتبارات لا تزال غير واضحة وغير مبررة.ورغم هذه المخاوف، لا يزال المجتمع الدولي يتبع استراتيجية الدعم العيني للجيش اللبناني، وهي استراتيجية أثبتت قصورها.
ويواجه لبنان حاليا ما يصفه البنك الدولي بأنه أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها العالم منذ قرن ونصف القرن، حيث تدهور الوضع المالي منذ خريف العام 2019، وانخفضت قيمة العملة الوطنية أكثر من 10 مرات مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات غير المدعومة بنسبة تتجاوز 400 في المئة.
وأثرت تلك المصاعب سلبا على المؤسسة العسكرية، ما اضطرها إلى اتخاذ إجراء يقضي بمنع سفر عناصرها للحد من ميلهم الاضطراري لمغادرة المؤسسات تحت طائلة الحاجة، حيث خسر الجيش أكثر من خمسة آلاف عسكري غادروا المؤسسة لدوافع معيشية.
وتأتي هذه الأرقام التي لا تزال غير مقلقة، لكنها مرشحة للارتفاع، في وقت تزداد فيه المخاوف من انهيار كبير للمؤسسة العسكرية والأمنية، في حال قررت الحكومة اللبنانية السماح بتسريح العسكريين من الخدمة للضغط على المصاريف الحكومية الشحيحة.
وحسب تقديرات دولية، يحتاج الجيش اللبناني إلى ما بين 90 و100 مليون دولار سنويا لتمكين القيادة من تأمين 100 دولار إضافية على رواتب العسكريين، الذين يعانون مصاعب فعلية مع تبخر رواتبهم التي لم تعد تتجاوز الـ70 أو 80 دولارا، مع الارتفاع المتفلت لسعر الصرف في السوق الموازية.
واستطاعت المؤسسة العسكرية تأمين مساعدات من دول عربية وغربية، وهي تصل دوريا إلى بيروت، وغالبيتها حصص غذائية ووجبات طعام للجنود وعائلاتهم، إلا أن ذلك غير كاف لتأمين استمرارية وحدات الجيش.
ويؤكد مراقبون أن كل يوم يمر من دون تدخل دولي أو عربي فاعل، يعني المزيد من انهيار أوضاع العسكريين والقوات الأمنية. ويشير هؤلاء إلى أن ذلك ينمّي قدرات حزب الله العسكرية، التي قد يستغلها لفرض أجنداته الداخلية والإقليمية.
انهيار المؤسستين العسكرية والأمنية يضع لبنان تحت سطوة الميليشيات التي تمتلك ترسانة أسلحة تفوق إمكانيات ما لدى القوى اللبنانية الحاملة للسلاح
ويضع انهيار المؤسستين العسكرية والأمنية لبنان تحت سطوة الميليشيات، التي تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة تفوق إمكانيات ما لدى القوى اللبنانية الحاملة للسلاح. وتبدي دوائر سياسية أميركية مقرّبة من إدارة الرئيس جو بايدن قلقا بالغا من احتمال وصول لبنان إلى فراغ شامل على كل المستويات، قبل انتهاء عهدة الرئيس اللبناني ميشال عون في تشرين الأول القادم.
وترصد الدوائر المعنية بمتابعة الوضع اللبناني سوء الواقع الداخلي وعوامل الانهيار الذي تراه وشيكا، مؤكدة أن تخوّفها مبنيّ على معاينة دقيقة للساحة اللبنانية.
ولفتت تلك الدوائر إلى أن مخاوفها من هذا الانهيار زادت بعد الزيارة التي قام بها قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى واشنطن مؤخرا، وعرضه لوضع المؤسسة العسكرية على كل المستويات، بدءا من الحالة المعيشية لعناصر الجيش وصولا إلى تفاصيل متعلقة بالأوضاع الداخلية.
وازدادت مؤخرا حدة الأزمة الاقتصادية. ومنذ أيام، ينتظر اللبنانيون في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، التي اعتمدت سياسة التقنين في توزيع البنزين والمازوت. ويتزامن ذلك مع انقطاع في عدد كبير من الأدوية وارتفاع في أسعار المواد الغذائية المستوردة بغالبيتها.
وتعكس هذه الحاجات “الطابع الحرج” للوضع داخل المؤسسة العسكرية، التي حذّرت قيادتها مرارا من تداعياتها على القيام بواجباتها العسكرية في حال ازداد الوضع سوءا.