إذا سلّمنا جدلاً بأن الانتخابات النيابية ستُجرى في 15 أيار المقبل، رغم تأكيد رئيس الجمهورية أن الاعتمادات لهذه الانتخابات لم تتأمّن بعد، ورغم اعتراف وزير الداخلية أن الكهرباء لإجراء الانتخابات ليست مضمونة بعد، ورغم التخوّف الكبير من طارئ ما يؤدي إلى تطيير الانتخابات في اللحظات الأخيرة قبل موعدها المحدد، يبقى السؤال مشروعاً: أي انتخابات نريد؟ ولماذا؟
المعطيات المتوافرة والمتراكمة تشير بكل بساطة إلى الوقائع الآتية:
1ـ الثنائي الشيعي سيضمن السيطرة على كامل المقاعد الشيعية.
2ـ “حزب الله” وحلفاؤه يضمنون السيطرة على الأكثرية المطلوبة في مجلس النواب الجديد.
3ـ خصوم “حزب الله” مشرذمون إلى أقصى الحدود.
4ـ المعارك الفعلية تُجرى في الساحات المسيحية والسنية وبدرجة أقل الدرزية.
5ـ أثبتت مجموعات ما يُسمى بـ”الثورة” و”المجتمع المدني” فشلاً ذريعاً في العمل على الحد الأدنى من الوحدة، لا بل أظهروا في عدد كبير من الأمثلة في المناطق أنهم لا يقلّون فساداً وديكتاتورية وتبعية عن المنظومة القائمة.
ونتيجة المعطيات المشار إليها أعلاه تصبح نتيجة الانتخابات مضمونة لناحية الإبقاء على سيطرة “حزب الله” في موازاة تضعضع كل خصومه، ما يعني بقاء واقع المجلس النيابي المقبل على حاله إذا جرت الانتخابات، وسنعود لنكون أمام المشاكل إياها عند محاولة تأليف حكومة جديدة وعند التعاطي مع أي ملف أو محاولة إجراء أي إصلاحات.
ليس المطلوب التشاؤم على الإطلاق بقدر ما أن المطلوب هو إجراء قراءة واقعية ونقدية لناحية أداء اللبنانيين أولاً كجماهير، ولناحية البدائل التي قُدّمت إلى اللبنانيين والتي لم تكن مقنعة على الإطلاق لتحلّ محل الطبقة القديمة.
ماذا تعني هذه الخلاصة؟ تعني بكل بساطة أننا، وأكرر في حال إجراء الانتخابات، سنكون أمام استمرار للواقع المأسوي الذي نعيش فيه، وأمام اجترار لمنطق الاتهامات المتبادلة حول المسؤولية عن الفساد وعرقلة الإصلاحات إضافة إلى استحالة استعادة السيادة في ظل هيمنة “حزب الله” بسلاحه على مؤسسات الدولة.
وما تقدّم يؤكد المؤكد وهو أن لا قيامة للبنان من الداخل من دون خوض معركة “الاستقلال الثالث” بوج سلاح “حزب الله” الذي يفرض الهيمنة الإيرانية، وهذا لا يمكن أن يتحقق سياسياً وسلمياً من دون التمكن بشكل مباشر من اختراق حصرية التمثيل الشيعي الذي يتحكم به الثنائي “حزب الله- أمل”.
أما خارجياً فيبقى الرهان على محاولة إعادة التوازن المطلوب إلى المنطقة، بما يعني انخراطاً عربياً كاملاً ضد المشروع الإيران، وانطلاقاً من لبنان تحديداً، وهو ما يبدو متعثّراً في ظل الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن، ما يعني استمراراً للأزمة بخطورتها وأوجهها المتعددة إلى ما بعد خروج بايدن من البيت الأبيض إلا إذا تم التوصل إلى تسوية شاملة في المنطقة لا تبدو ظروفها متوافرة في ظل المواجهات الشاملة.
بهذا المعنى تصبح الانتخابات النيابية في لبنان محطة في سياق استمرار الأزمة في ظل المعادلات الحالية، من دون ان يعني ذلك الامتناع عن خوضها، لا بل على العكس فإن المطلوب محاولة عدم الوقوع في المزيد من الخسائر التي قد تنتج لا سمح الله عن تقدم مشروع “حزب الله” في حال تمكن من تعزيز أكثريته في مجلس النواب.
وأكرّر كل ذلك في حال تم إجراء الانتخابات، أما في حال حصل المتوقّع فإن كل الحسابات تذهب أدراج الرياح ويدخل لبنان نفقاً لا يمكن لأحد أن يحسم نتائجه من اليوم. وفي كل السيناريوهات على اللبنانيين شدّ الأحزمة لأن الثابتة الوحيدة ستكون المزيد من السقوط المريع!