جاء في “أساس ميديا”:
لم تقتصر علاقة حسين فياض وشريكه السوري حسن الغناش، على التخطيط والتنفيذ لارتكاب مجزرة أنصار، حيث قتلا باسمة عباس وبناتها الثلاث: ريما، تالا، ومنال، بنات مختار البلدة زكريا صفاوي. إذ تبيّن أنّهما أُوقفا في ملفّ تنقيب عن آثار، وفُتح محضر في القضية في مخفر الدوير عام 2018. واكتشفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي خلال التحقيق مع المشتبه فيهما أنّهما أقدما أيضاً على سرقة منزل يملكه قريب فياض في بلدة أنصار. وضُبطت مبالغ ماليّة تصل إلى نحو خمسين ألف دولار وأربعين مليون ليرة، إضافةً إلى مجوهرات عُثر عليها في الخزنة، التي يضعها فياض في منزل والديه.
قبل الدخول في تفاصيل السرقة المكتشفة، فإنّ توقيف الغناش عدّل الرواية التي سردها فياض في التحقيق معه، وزعم خلالها أنّه استدرج ضحاياه إلى مسرح الجريمة من خلال الدعوة إلى تناول العشاء، بعدما كان قد أعدّ وشريكه الحفرة في المغارة في اليوم السابق للجريمة، وادّعى أنّه بعد وصوله والسيّدات الأربع إلى مدخل المغارة، دفع شريكه السوري اثنتين منهنّ من على درج يصل ارتفاعه إلى نحو أربعة أمتار، وأقدم هو على دفع الأخريين، ثمّ أحضر الغناش بندقية الصيد وأطلق سبع رصاصات على المغدورات قبل أن يعمل على طمس معالم الجريمة. وهي إفادة حاول من خلالها فياض رمي مسؤولية إطلاق النار على الشريك، الذي كان لا يزال فارّاً من وجه العدالة.
عُدّلت بعض تفاصيل هذه الرواية بعد توقيف الغناش الذي اعترف أنّ فياض هو من بادر إلى إطلاق النار من سلاح حربي على ضحاياه، وبعدما أتمّ مهمّته الإجرامية، كما روى الشريكان بعد مواجهتهما. فقد تبيّن أنّ إحداهنّ كانت لا تزال على قيد الحياة، فبادر الغناش إلى استعمال بندقية الصيد التي كان يحملها خلال تنفيذ المهمّة، وسارع إلى إطلاق النار عليهنّ لضمان الوفاة، وفق الموقوفَيْن. وبذلك بات الشريكان متورّطين في القتل من خلال إطلاق النار على الضحايا، وليس في المشاركة والتخطيط والاستدراج والتنفيذ وحسب.
هو مشهد إجراميّ من فيلم واقعي دارت أحداثه في أنصار، ويسعى فرع المعلومات من خلال التحقيقات لمطابقة الاعترافات بالوقائع. وكانت جرت مصادرة السلاح الحربي، الذي كان مخبّأ، وعثر عناصر الشعبة أيضاً على مظاريف لرصاصات في محيط المغارة، وأُرسلت إلى المباحث الجنائية لمعرفة مدى مطابقتها.
في عملية البحث عن البندقية عثرت العناصر المولجة تفتيش منزل فياض على خزنة في غرفته، وترافق الأمر مع عثور المحقّقين على صورة في هاتف فياض لمجموعة من المجوهرات كان قد التقطها بعدسته، وفي أثناء التحقيق معه ولدى سؤاله عن هذه المجوهرات، اكتشف المحقّقون أنّه وشريكه سرقا منزلاً يعود إلى عمّ فياض (شقيق والده) الذي يقيم خارج البلاد. وتبيّن أنّ الشريكين سرقا المنزل المهجور في الشهر الأول من العام الحالي، وبعد فتح الخزنة تبيّن وجود خمسين ألف دولار ونحو أربعة آلاف يورو وزهاء أربعين مليون ليرة لبنانية في داخلها، إضافةً إلى عدد من المجوهرات.
وفق مصادر متابعة للتحقيق فإنّ الجهات الأمنيّة تواصلت مع عمّ الجاني، الذي لم يكن يعلم بسرقة منزله لوجوده خارج البلاد، وجرى التأكّد من المضبوطات، وفُتح محضر منفصل خاصّ بجريمة السرقة، التي أتت لتوثّق طبيعة العلاقة التي تجمع بين فياض والغناش، وتجيب عن التساؤل عن أسباب إقدامهما على اقتراف جريمة مروّعة كهذه.
وفقَ المصادر المتابعة للتحقيق فإنّ الدوافع لا تزال شخصية وذكورية، ولم تكشف التحقيقات أيّ علاقة لجريمة القتل بالإرهاب أو بالعمالة أو الموساد. لتبقى هذه الفرضيّات في خانة الشائعات والتحليلات الناتجة عن عدم تقبّل الرأي العام لفكرة القتل المروّع هذا بدوافع شخصيّة.
على الرغم من تغيّر تفاصيل تنفيذ الجريمة وأدواتها بعد توقيف الغناش، إلا أنّ الدوافع لا تزال نفسها، وهي تتعلّق بالعلاقة التي جمعت فياض بالضحية تالا، والتي تحوّلت إلى أزمة مستمرّة بينهما منذ أكثر من ثلاثة أشهر. فتطوّرت المشكلات، وفق تحليل هاتف فياض والرسائل المتبادلة بينه وبين الفتاة، إلى تهديدات. ثمّ كان التحوّل الحاسم في اتّجاه ارتكاب الجريمة حين أقنع الغناش صديقه وشريكه في التنقيب والسرقة حسين فياض بأنّه قادر على مساعدته في حلّ المشكلة بعد التخلّص من الأسرة، التي كانت تعلم بطبيعة المشكلات وتفاصيل الخلافات بين تالا ومَن أصبح قاتلها.
من جانب آخر، ووفق مصادر قضائية رفيعة المستوى، فإنّ ملفّ التحقيق في القضية سيُنقل من محكمة قصر عدل النبطية إلى بيروت، خصوصاً بعد تقصير النيابة العامّة الاستئنافية في النبطية، ممثّلة في القاضية غادة أبو علوان التي ظلّت أكثر من خمسة وعشرين يوماً عاجزةً عن اكتشاف وقوع الجريمة، بل اختتمت الملفّ وأقفلت المحضر من دون معرفة أيّ خبر عن بنات مختار أنصار الذي تقدّم ببلاغ في وجه حسين فياض نفسه لعلاقته باختفائهنّ في الثاني من آذار، وهو تاريخ خروجهنّ لتناول العشاء بمرافقة فياض الذي اصطحبهنّ إلى المغارة المشؤومة لتنفيذ جريمته المروّعة.
ختاماً تكشف المصادر أنّ عدم تمثيل الجريمة في مكان حصولها قد يعود إلى تخوّفٍ من تكرار ما حدث في كترمايا، حينما اقتصّ الأهالي بأنفسهم من القاتل، ونفّذوا حكم الإعدام به حيث ارتكب جريمته ولم ينتظروا عدالة اعتاد اللبنانيون أن تكون منقوصة.