كتب عمر البردان في “اللواء”:
في حصيلة اللقاءات التي أجراها وفد صندوق النقد الدولي مع المسؤولين، ليس هناك ما يؤشر إلى أن توقيع اتفاق ولو بالأحرف الأولى، مرجح قبل الانتخابات النيابية المقبلة، يعطي من خلاله الصندوق موافقته على خطة التعافي الاقتصادي، بانتظار استكمال تنفيذ عدد من البنود الإصلاحية. باعتبار أن الوفد ما كان مقتنعاً بما تحقق حتى الآن من خطوات إصلاحية، ولم يلمس الجدية المطلوبة التي تشجعه على المضي في توقيع اتفاق مع الحكومة اللبنانية التي ما زالت بعيدة عن تنفيذ ما هو مطلوب منها. وهو لا يزال ينتظر الكثير من الإجراءات التي لم تباشر الحكومة بتنفيذها.
توازياً، وفي ظل حالة التخبط والإرباك التي تشكل سمة نافرة لممارسات العهد، شكل نفي المراسل الصحافي للفاتيكان كريستوفر وايت في تغريدة عبر «تويتر»، لما أعلنته الرئاسة اللبنانية عن زيارة البابا فرانسيس لبنان في حزيران المقبل، إحراجاً شديداً لموقع الرئاسة الأولى الذي كان يجدر به، أن يترك تحديد الموعد، ولأسباب بروتوكولية، لدوائر الكرسي الرسولي وحده، باعتبار أن تحديد مواعيد زيارات الحبر الأعظم، يكون حصراً من جانب عاصمة الكثلكة، وليس من أي مكان آخر . وبالتالي كان القصر الجمهوري بغنى عن وضع نفسه في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه، وما تسبب به من لغط على نطاق واسع، ليس أدل على ذلك استغراب المسؤولين في الفاتيكان ما صدر عن الرئاسة اللبنانية في هذا الشأن .
وأكثر من ذلك، شكل تدخل رئيس الجمهورية في تشكيل اللوائح الانتخابية، من خلال طلبه من المرشح أمل أبو زيد العودة عن قراره، والانضمام إلى لائحة «التيار الوطني الحر» في دائرة جزين، سابقة خطيرة لا يمكن تصورها، باعتبارها دليلاً على أن رئيس الجمهورية الذي هو حكم بين اللبنانيين، ليس على مسافة واحدة منهم، وبالتالي فإن هذا الأمر يتنافى مع ضرورة أن تكون رئاسة الجمهورية فوق الجميع، ولا يجب أن تتدخل في الملف الانتخابي، ما ينزع عنها صفة الحيادية، ويطرح الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة موقف الرئاسة من الانتخابات النيابية.
وسط هذه الأجواء، وفيما تشير المعطيات إلى أن موعد عودة السفيرين السعودي والكويتي إلى بيروت، لم يعد بعيداً، لمعاودة نشاطهما الدبلوماسي، كشفت معلومات مصدرها العاصمة الأميركية، أن واشنطن قررت تزخيم المبادرة الكويتية، عبر تكليف القائمة بأعمال مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى يائيل لمبرت بالمهمة، على أن تبدأ بزيارة باريس والرياض إلى جانب عواصم عربية أخرى، من أجل استكمال مصالحة لبنان مع دول الخليج.
وتسعى الإدارة، كما تشير المعلومات، إلى حث المسؤولين السعوديين على دعم الصندوق الإنساني المشترك بمئات ملايين الدولارات بما يساعد الشعب اللبناني على سد النقص في حاجاته، لضمان استمرارية الخدمات الأساسية التي تأثرت بشكل ملحوظ بسبب أزمة البلاد. وفي السياق، تكشف أوساط دبلوماسية، ان السعودية كانت تعهدت للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدعم الصندوق، مؤكدة أنها ستتعاطى بإيجابية اكبر مع الملف اللبناني، خصوصاً بعد الأصداء الإيجابية لموقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبيانه الإيجابي الذي لاقى تأييداً اميركياً واوروبياً وخليجياً. ولهذا الغرض أوعزت دوائر وزارة الخارجية السعودية للسفير وليد البخاري بالعودة إلى بيروت، التزاماً منها بتسهيل الجهود الفرنسية من أجل الوقوف إلى جانب لبنان، في ظل الظروف الدقيقة التي يواجهها.
وهذا إن دل على شيء، وفقاً لما تقوله أوساط دبلوماسية خليجية، فعلى حرص دول مجلس التعاون على استمرار العلاقات الوطيدة مع لبنان، وكي لا يخرج هذا البلد من أحضان أشقائه العرب، بفعل التدخلات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة . ما يحتم على المسؤولين اللبنانيين الذين ينادون في كل مناسبة، بأنهم في حاجة إلى وقوف العرب إلى جانب بلدهم، أن يعوا هذه الحقيقة التاريخية بأن لبنان لا يمكنه أن يتنفس دون الرئة العربية. الأمر الذي يفرض أن يحرص مسؤولوه على احترام مصالح أشقائهم العرب والخليجيين، ولا يكون لبنان مطلقاً مصدر تهديد لأمن أشقائه واستقرارهم .