بعد انتظارٍ طويل وتهديدات للمعارضة بقوانين جديدة للأحزاب والانتخابات، أقرّ البرلمان التركي أخيراً التعديلات التي يطالب بها التحالف الحاكم الذي يضمّ حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” اليميني، فما هي هذه التعديلات وكيف ستؤثر على الأحزاب المعارضة وكيف سيستفيد منها التحالف الحاكم؟
بموجب التعديلات التي أقرّها البرلمان مطلع شهر أبريل الجاري، والتي نُشرت في الجريدة الرسمية يوم أمس الأربعاء، تمّ تخفيض العتبة النيابية من 10% إلى 7%، وهي النسبة المطلوبة من أصوات الناخبين والتي ينبغي لأي حزب سيشارك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحصول عليها كي يتمكن من تشكيل كتلةٍ نيابية داخل البرلمان لاحقاً.
كذلك تضمنت هذه التعديلات بنود أخرى أبرزها، منع انتقال النواب من حزب إلى آخر، ففي السابق كان يمكن لعشرين نائباً وأكثر الانضمام لحزب جديد بعد تقديم استقالاتهم من حزبهم القديم، وكان هذا الأمر يخول الحزب الجديد المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حتى وإن لم يكن قد عقد مؤتمره الاعتيادي قبل الانتخابات بمدّة 6 أشهر، لكن هذا الانتقال لم يعد مسمّوحاً بموجب التعديلات التي دخلت حيّز التنفيذ يوم أمس.
كما تلزم التعديلات، الأحزاب الجديدة بضرورة عقد مؤتمراتها الاعتيادية قبل اجراء الانتخابات بمدّة 6 أشهر وضرورة وجود مقرّات لها في أكثر من نصف ولايات البلاد، وفي حال عدم تلبّيتها لهذا الشرط، لا يمكنها المشاركة في الانتخابات، وهو أمر قد يعني منع حزب “الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد من المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستعقد العام المقبل، إذا ما تمّ حظره قبل ذلك بفترة وجيزة.
وفي هذا الصدد شرح أُوزَر سانجر، الأكاديمي التركي ومدير مركز “ميتروبول” الشهير للأبحاث أن “التحالف الحاكم في تركيا فضّل إجراء تغييرات لصالحه في قانون الانتخابات لأنه يعتقد أنه لم يعد بإمكانه استعادة الأصوات التي خسرتها والتي بلغت نسبتها 10% منذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تمّت في 24 كانون الثاني من العام 2018″.
وقال لـ”العربية.نت”: “إذا كانت هناك انتخابات اليوم على سبيل المثال، فالتحالف الحاكم قلق من خسارة كلٍّ من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وربما ذلك بسبب الأزمة الاقتصادية، فالاقتصاديون الموثوقون يؤكدون أن هذه الأزمة المستمرة منذ سنوات لا يمكن أن تحلها الحكومة حتى الانتخابات، ولذلك جاءت هذه التعديلات”.
وأضاف أن “معظم التغييرات التي تم إجراؤها هي تعديلات فنية، ويهدف التحالف الحاكم منها بشكل أساسي إلى تقليل تأثير التحالفات، كما قام بموجبها بتغيير هيكل المجالس الانتخابية لصالحه، ومع ذلك قد تكون هذه التعديلات لصالح كلّ من التحالف الحاكم ومعارضته أيضاً، وبالتالي تتوقف المسألة على 3 قضايا رئيسية”، على حدّ تعبّيره.
معظم التغييرات التي تم إجراؤها هي تعديلات فنية، ويهدف التحالف الحاكم منها بشكل أساسي إلى تقليل تأثير التحالفات
وتابع أن “المسألة الأولى تكمن في تحديد المعارضة للمرشّح المناسب، والثانية في ضمان أمن صناديق الاقتراع للمعارضة، والثالثة لجوء أحزاب المعارضة إلى تحالفٍ مناسبٍ فيما بينها”.
وشدد سانجر أيضاً على “ضرورة عدم ترشيح حزب الشعوب الديمقراطي لمرشّحٍ في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وبالتالي أن تذهب المعارضة إلى الانتخابات بمرشح واحدٍ فقط، وهو أمر سيكون لصالح تحالف المعارضة الانتخابي”.
ورأى أن “حزب الشعوب الديمقراطي يمكنه التغلب بسهولة على مسألة حظره وإغلاقه، فقد تمّ ذلك عدّة مرات في السابق ولدى الحزب المؤيد للأكراد خبرات وفرص كافية للتعامل مع هذه المسألة”، لافتاً إلى أن “العقبة الرئيسية أمام المعارضة بعد التعديلات الأخيرة تكمن بصورةٍ رئيسية في اختيار المرشّح المناسب الذي قد يخوّلها الفوز في الانتخابات المقبلة”.
وكان التحالف الحاكم الذي يضمّ حزب “العدالة والتنمية” الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزب “الحركة القومية” اليميني الذي يتزعّمه دولت بهجلي قد طالب بهذه التعديلات في قانوني الانتخابات والأحزاب منذ نحو عامين، لكنه لم يقدّمها للبرلمان إلا بحلول منتصف الشهر الماضي.
وتمسّك التحالف الحاكم بضرورة تخفيض العتبة الانتخابية وحصرها في 7% من أصوات الناخبين بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أن حليفه في “الحركة القومية” لم يعد بإمكانه الحصول على 10% من أصوات الناخبين وهو أمر كان سيمنعه من دخول البرلمان إذا لم يتمّ تعديل هذا البند الذي دخل حيّز التنفيذ مع التعديلات الأخرى يوم أمس بعد إقرارها في البرلمان مطلع ابريل الجاري.
كذلك تستهدف هذه التعديلات الأحزاب الناشئة ومنها حزبي “المستقبل” و”الديمقراطية والبناء”، فالحزب الأول يتزّعمه حليف أردوغان السابق، أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي الأسبق الذي استقال من حزب “العدالة والتنمية” في منتصف سبتمبر من عام 2019.
أما “الديمقراطية والبناء” فيقوده الوزير السابق علي باباجان الذي استقال أيضاً من حزب أردوغان في تموز من العام 2019. وكلا هذين الحزبين سيواجهان عقباتٍ أمام مشاركتهما في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل بعد دخول التعديلات الأخيرة حيّز التنفيذ.